من الآية 99 الى الآية 102
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً* وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً* الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِى وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً* أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} (99ـ102).
* * *
معاني المفردات
{الصُّورِ}: قرن يُنفخ فيه.
{نُزُلاً}: ما يهيأ للنزيل، وهو الضيف.
* * *
الموقف الحاسم
وتلك هي صورة يوم القيامة، حيث تنطلق الجموع البشرية المحتشدة من الأولين والآخرين كالأمواج المتلاطمة التي يزحم بعضها بعضاً، ويعلو بعضها فوق بعض استعداداً للموقف الصعب الحاسم.
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} في وضع مضطرب متنافر بعيد عن النظام. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} الذي يدعوهم إلى التجمع والانتظام في موقف واحد. {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} ووقف الجميع أمام رب العالمين، وكان الكافرون المتمرّدون في الموقف الخائف الحائر الذي يواجه المصير الرهيب.
{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً} فعرفوها بكل ساحاتها وزواياها، وبكل لهيبها وعذابها، وبكل طعامها وشرابها، فوقفوا يحدّقون فيها بذهول ودهشةٍ وارتباكٍ، ولم يستطيعوا الابتعاد عنها، كما كانوا يبتعدون في الدنيا عن ذكر الله وعن مواقع طاعته.
{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي} فلا يبصرون آيات الله، ولا يقرأونها كما لو كان هناك غطاءٌ يغطي أعينهم، {وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} إذا تليت عليهم، كما لو كانوا في حالة صممٍ... وها هم يواجهون الموقف بالعذاب الشديد، فماذا يفعلون الآن؟ وكيف يفكرون؟ هل يعتقدون أن كل ذلك التمرد والكفر والطغيان يمكن أن يمرّ بدون حسابٍ أو يذهب بدون عقاب؟؟ هل القضية بهذه السهولة؟! إنهم لو فكروا بهذه الطريقة، فإن تفكيرهم يكون تفكيراً خاطئاً. {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَآءَ} يلقون إليهم بالمودة، ويتوجهون إليهم بالعبادة، ويخلصون لهم بالطاعة، ويتركون عبادتي ولا أحاسبهم على ذلك. {إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} فهو مصيرهم المحتوم الذي ينتهون إليه لينزلوا فيه أبداً من دون أن يستطيعوا الخروج منه.
* * *
العبرة من القصة
وهكذا تنتهي قصة ذي القرنين، مع إيحاءاتها الروحية، ولمساتها الإيمانية، لنواجه في شخصيته صفات الإنسان المؤمن، الذي أخذ بكل أسباب القوة، وطاف بالبلاد طولاً وعرضاً، ولكنه لم ينطلق بقوته ليظلم الناس، أو ليستعلي عليهم، أو ليفسد حياتهم، بل انطلق من أجل مساندة الضعفاء، وتأكيد الخط الإيماني بما يجعل الحياة في قبضة الحكم العادل الذي يجازي المسيء على إساءته، ويثيب المحسن على إحسانه، ويقف ـ بعد ذلك ـ أمام الله ليشهده على اعترافه بعبوديته له، وبحاجته إليه، وبشعوره بأن كل ما يفعله ويقوم به هو رحمةٌ من الله عليه. وذلك هو النموذج الأمثل الذي يريد الله أن يقدمه للإنسانية، ليعيش الإنسان معه في عملية اهتداء واقتداء في مواجهة الذين يعيشون القوة بعيداً عن مواقع المسؤولية، فيفسدون حياة البلاد والعباد، ويبتعدون عن الله في كل أقوالهم وأعمالهم، فيستحقون بذلك النار وبئس القرار.
تفسير القرآن