الآية 110
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِليَّ أَنَّمَآ إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} (110).
* * *
الرّسول رمز حيّ للرسالة
... وتبقى الرسالة تؤكد على مبدأ البشرية في شخصية الرسول، فإن اتصاله بالله وصلته بالسماء، لا يعطيه أيّة خصوصيةٍ من خصوصيات الألوهية، ليكون في ذاته سرّ الألوهة، بل يظل في موقع الإنسان الذي يتلقى الوحي من خلال ما يملكه من روحية الرسالة في ذاته، ومن آفاقها الفكرية في عقله، ومن أخلاقيتها السامية الرفيعة في أخلاقه... وتلك هي خصوصية الرسالة، فهي لا تعبر عن أسرارٍ عميقةٍ غامضةٍ في شخصية الرسول، بل تعبر عن التناسب بين شخصيته وشخصية الرسالة، ليكون التجسيد الحيّ لكل مضمونها الفكري والعملي والروحي، ولتكون هي التعبير الحي عن كل صفاته وآفاقه وتطلعاته.. لتظهر الصورة في هذه الوحدة بين الرسالة والرسول، الأمر الذي يجعل اتباع الرسول حركةً واقعيةً في الاتصال بالله واللقاء برضوانه، ما يجعل من العلاقة به علاقةً برسالته، لا لوناً من ألوان الاستغراق في شخصيته والارتباط بذاته، لأن الله لا يريد للناس أن يلتقوا بالرسول من خلال ذاته، بل من خلال أنّه يمثل الرمز الحيّ للرسالة، ليبحثوا في ذاته عن عناصر الرسالة في فكره وروحه وجهاده المتحرك في أكثر من اتجاهٍ، وهذا ما أرادت الآية التالية أن توحي به.
{قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} فليست لي شخصيةٌ ذاتيةٌ تختلف عن شخصيتكم، وليس لي أيّ سرٍّ في قدرتي الجسدية تختلف عن قدرتكم... فإني أجوع، وأشبع، وأمرض، وأشفى، وأحزن، وأفرح، وأعيش كل نقاط الضعف الذاتي في جسمي كما تعيشون، وأحيا كما تحيون، وأموت كما تموتون. ولكن الفرق بيني وبينكم هو أني رسول الله إليكم، فأنا أتلقى الوحي من الله في وعيٍ كاملٍ لحقيقته، وفي استجابةٍ روحيةٍ لروحيته، وفي حركةٍ منفتحةٍ على كل مواقعه ومواقفه... ثم أبلغكم إيّاه من موقع الوعي والإيمان والمعاناة، لأبشركم بما ينتظركم من ثواب في خط الطاعة، وأنذركم بما يواجهكم من عقابٍ في خط المعصية، ولأعمل على أن أقودكم إلى ساحة المسؤولية التي تعيشون فيها الانفتاح على الله وحده، والرجاء الخاشع ليوم لقائه... {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ} ليحصل على محبته ورضاه، { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} من موقع التفاصيل الدقيقة للوحي في تخطيطه لحياة الإنسان في أقواله وأفعاله... وليؤمن بالله الواحد في حركة العقيدة والعبادة، {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا}، فهذا هو طريق الخلاص، وسبيل القرب إلى الله، والحصول على جنته في يوم اللقاء الكبير بالله سبحانه في اليوم الآخر.
وهكذا انتهت السورة في أجواء الوحي والتوحيد، في خط الرسالة والرسول، كما بدأت في هذه الأجواء الرسالية الرائعة.
تفسير القرآن