تفسير القرآن
طه / المقدّمة

 المقدمة
 

سورة طـه
مكية، وهي مائة وخمس وثلاثون آية

مدخل عام للسورة

تثير هذه السورة في آياتها العمق الإنساني للنفس البشرية لمواجهة مسألة المصير الأخروي من مواقع الاهتمام والجدية، ومسألة الواقع الدنيوي من موقع المسؤولية، وذلك من خلال توجيه القلب والعقل والوجدان للقرآن الذي هو الكتاب الإلهي الذي أنزله الله على قلب رسوله، ليدعو به الناس إلى تعاليمه بطريقة متوازنة واقعية، لا تصل إلى مستوى الإجهاد الذي يشقي البدن، في وقت يريد الله القرآن تذكرة للذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب..

ثم تنطلق السورة لتثير أمام القلب البشري التصور الإسلامي القرآني عن الله، ليبقى الإنسان، من خلال التصور الشامل العميق، واعياً لمسؤوليته في إحساسه بالحضور الإلهي الذي {لَهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى* وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:6 ـ 7].

ثم ينفتح على الرسالة في شخصية الرسول، فنلتقي بالنبي موسى(ع) في دعوته إلى الله ومعاناته في سبيل ذلك، وفي حركته القوية التي تصدم الواقع الطاغي، بالكلمة والأسلوب والموقف، وفي حيوية شخصيته التي تتميز بالإخلاص والتواضع والعفوية الرسالية، والقوة المتحركة في أكثر من اتجاه.. وهكذا تتنوع الصور والمواقف وتطل من خلالها على قومه وكيف واجهوه من موقع التخلُّف الفكري، ليزيد ذلك من التذكير بخشية الله، والانفتاح على تعاليمه وآياته.

ثم تأتي قصة آدم التي تتكرر في القرآن، لتربط الناس بالخط الفاصل بين طاعة الله وطاعة الشيطان، فتثير التاريخ الشرير له مع الإنسان في بداية الخليقة، وفي المقابل تفتح لهم الآفاق التي تطل بهم على أجواء النجاة والهلاك، لينطلق الناس في مسؤوليتهم من خلال وعيهم للخط الإلهي الرسالي..

ثم تتنوّع الآيات في لمسات حية مؤثرة في ما يخاطب الله به رسوله، ليصبّره على كل التصرفات السلبية التي كان يقوم بها المشركون ضده، في ما يقولون ويعملون، وليبقى مع الله في تسبيح دائم في الليل والنهار، وليصرف نظره عن كل ما حوله من زخارف الدنيا، وليحترم خصوصيات الآخرين في علاقاتهم فلا يمد نظره إليهم، ولينطلق مع أهله في صلاة دائمة لله، لتكون الحياة كلها صلاة روحية تحكم كل الواقع الذي يحيط به وبالناس.

وتنتهي الآية بالتحدّي الكبير الذي يريد الله للرسول أن يُطلقه في وجه هؤلاء المتربّصين بالرسول وبالرسالة، ممن يريدون الشر به وبها، فيخاطبهم بكل قوة: {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه:135]، لأن المسألة تتلخص بنتائجها ونهائيات الأمور هي التي تحدد جدواها، لأن العاقبة، مهما اختلفت الأمور، هي للتقوى التي تمثل الالتزام بالمسؤولية أمام الله تجاه الحياة والكون والإنسان.