تفسير القرآن
الأنبياء / المقدمة

 المقدمة
 

سـورة الأنبيـاء
ـ مكية ـ وآياتها مئة واثنتا عشرة

جولة في آفاق السورة

سميت هذه السورة بهذا الاسم، تأكيداً على مفهوم النبوّة، في التصور المنحرف الذي كان يحمله الناس في كثير من مراحل حركتها، حيث أنهم كانوا يتوهمون قدرات خارقة للنبي الذي كانوا يتصورونه في صورة الملاك الذي يغير الصورة الكونية التي أقام الله الكون على أساسها، فكانت حركة الآيات في هذه السورة تأكيداً للمفهوم الحقيقي الذي يعطي الفكرة الحاسمة التي تركز فكرة النبي البشر الذي يوحى إليه من الله برسالاته، بعيداً عن أيّة حالة غير عادية من الناحية الذاتية. وقد جرت السورة على خط النهج القرآني الذي يربط كل الأشياء بالتوحيد، ويثير في الناس التفكير بالمعاد، ليتدبّروا وليتحركوا في الاتجاه السليم، من خلال الفكر والموقف والحركة والعبادة، لينتهي بهم إلى التفكير باليوم الآخر من أجل تحضير كل الأجواء الروحية والمادية للوصول إلى ساحة رضا الله في الجنة.

... ثم تنطلق السورة لتظهر حركة النبوّة في ساحة التحدّي، فنجد الاتهامات التقليدية الحائرة البائسة التي ينطلق فيها الكافرون من دون وعي لينتقلوا من وصف النبي بالساحر، ثم بالأسطوري ثم نعته بالكذب، وأنه شاعر.. وهكذا لم تكن المشكلة لديهم أن يَصْدُقُوا في التهمة، بل أن يشوّهوا الصورة أمام أي اتهام.

وقد استفادت السورة من إيمان المعاصرين للنبي محمد(ص) بالأنبياء السابقين، فقارنت بينه وبينهم، لتثبت لهم أنه لم يكن بدعاً من الرسل، وأنه لا يختلف عنهم في قليل ولا في كثير، فإذا آمنوا بهم فعليهم أن يؤمنوا به.

ثم كانت هناك جولة في قصص الأنبياء السابقين بشكل سريع، فتحدثت عن موسى، وهارون، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، وذي النون، وزكريا، ويحيى، وعيسى (عليهم السلام أجمعين).

وتنتهي الجولة بيوم الحساب وما يلقاه الكافرون والمؤمنون هناك، وكيف تكون العاقبة للمؤمنين الصالحين من عباد الله الذين يرثون الأرض؛ وتتنوّع اللمحات الخاطفة التي تتحرك في السورة لتنتقل بالإنسان من موقع العقيدة، إلى حركة الأخلاق، ومن أحداث الدنيا إلى أحداث الآخرة، لتوحي إليه بأن هناك وحدةً في الخط الذي يربط بين المبدأ والمعاد، وأن الله الواحد هو المستعان على الهدى في الفكر والحركة والحياة، وهو الذي يفتح قلب الإنسان على آفاق الشروق المنطلقة من التوحيد الخالص الذي لا يرى فيه الإنسان إلا الله، فلا يعبد غيره، ولا يخلص لسواه.

* * *

بين الإنسان الغافل والنبيّ الداعية

ما مشكلة الناس في ما يستمعون إليه من دعوة الله ومن قضايا الصراع بين الحق والباطل؟ وما مشكلة الأنبياء أمام هؤلاء، في تحركهم مع الدعوة؟ هل هي قصة فكرة ترفض فكرة، أو شبهة تناقش موقفاً، لتكون المسألة هي مسألة القضايا الفكرية التي يثيرها الكافرون والمشككون ضد الدعوة؟ أو هي قصة اللامبالاة الفكرية التي يواجهونها بها، فهم يبتعدون عن التعمق في ما يثيره من أفكار ونتائج، لأنهم لا يريدون الانفتاح على الآفاق الواسعة في مطالع الشروق؟

إنها الغفلة المتعمدة التي يرفض فيها الإنسان أن يفكر ويحاور، أو يتراجع أمام الحجة القوية التي يثيرها الآخرون ضد فكره فينغلق على الذات، ويبتعد عن الواقع الحاضر والمستقبلي نتيجة ما تتمخض عنه المواقف السلبية من نتائج خطيرة على مصيره.

وتلك هي مشكلة الأنبياء الذين يواجهون هؤلاء الناس الذين يحملون، أو يثيرون أفكاراً خاطئة حول النبي والنبوة، كما لو كانت أفكاراً نهائية حاسمة لا مجال فيها للجدل.

ويبقى للقرآن في قصة الإنسان الغافل، ومشكلة النبي الداعية، أن يَبْسُط المشكلة، ويعالج الفكرة من حيث طبيعتها الموضوعية، ونتائجها السلبية؛ لتكون درساً لإنسان المستقبل الذي يفتح قلبه للفكر القادم من الوحي المتحرك في طريق العقل.