من الآية 1 الى الآية 2
الآيتـان
{ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شيء عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عما أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سكارى وَمَا هُم بسكارى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (1ـ2).
* * *
معاني المفردات
{زَلْزَلَة}: الزلزلة والزلزال: شدة الحركة على الحال الهائلة.
{تَذْهَلُ}: الذهول: الذهاب عن الشيء مع دهشة وحَيْرة.
{حَمْلٍ}: الحمل بالفتح: الثقل المحمول في الباطن كالولد، وبالكسر: الثقل المحمول في الظاهر.
* * *
دعوة إلى التقوى
{يا أيها النَّاسُ} إنها الدعوة الشاملة للناس الذين يعيشون الحياة من موقع إنسانيتهم الخالصة، ليتخذوا الموقف السليم من الحياة على قاعدة الإحساس بخطورة اللاانتماء واللاّمبالاة الفكرية والنفسية، التي تحملهم على الهرب من كل سؤال يتحدى ما اعتادوا من عقائد وأفكار وعادات..
إنها الدعوة المنفتحة على المسؤولية التي تطل على أعماق الناس، من قاعدة الخوف من النتائج السلبية في الدار الآخرة، لتدفعهم للتحرك على ضوء رسالات الله.
* * *
{اتَّقُواْ رَبَّكُمْ} الذي خلقكم ومنحكم نعمة الوجود بعد العدم، وأفاض عليكم النعم المتنوعة التي تطال الحياة بأكملها منذ الولادة حتى الوفاة. فهو المهيمن على الأمر كله في الدنيا والآخرة، وهو الذي يحدد مصير الإنسان يوم القيامة.. بما يوحيه له من مراقبة في كل قولٍ وفعل، ليتحول ذلك إلى حالة انضباط شاملة في كل مواقع حركته، بحيث لا يفقده الله حيث يريد أن يجده، ولا يجده حيث يريد أن يفقده، لتصبح حياته مطابقةً لإِرادة الله في أوامره ونواهيه. فإن الإنسان كلما انفتح على عظمة الله، كلما شعر بالمسؤولية أكثر وسار على الخط المستقيم.
* * *
أهوال يوم القيامة
{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شيء عَظِيمٌ} ففي ذلك اليوم زلزال عنيف تهز مشاهد الهول والرعب والعذاب فيه النفوس، ما يجعلها تفقد ثبات مواقفها على الأرض التي فقدت صلابتها أمام اهتزاز الفكر والروح والشعور، وهو ما يجعل الموقف مشابهاً للزلزال الذي تتساقط فيه السقوف والجدران والصخور وتخسف به الأرض، بكل ما يوحيه ذلك من خوفٍ ورعبٍ وذعر يتجاوز في أهواله كل حدّ. {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} في نتائجها الفظيعة التي تقتلع الإنسان من أعمق مشاعره، وأدقّ مناطق الإحساس لديه، حيث {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عما أَرْضَعَتْ} عندما تكون في جوّ تنساب فيه مشاعر الأمومة في داخلها، وتعيش فيه الاندماج الروحي مع دفقات الحليب الطاهر من ثديها في الفم الصغير الذي يمثل ابتهال الطفولة الجائعة إلى الأمومة الحانية، طلباً للحب والعطف والحنان والغذاء والشراب، إذ إن الأم هي سرّ الحياة منذ انطلاقتها في رحلة النموّ حتى تكاملها في مرحلة الوجود. ولكن على الرغم مما تشعر به الأم في موقف الرضاع من تفاعل بين روحها ونداء رضيعها، بحيث تحس بأن روحها تتحرك في أحضانها، فلا تغفل عن ابتسامته عندما يبتسم، وعن دمعته عندما يبكي، وما يصنعه ذلك الإحساس من تحول في قطرات الحليب ـ من حيث تدري أو لا تدري ـ إلى قطرات حبٍّ وحنانٍ، إلا أنها يوم القيامة أمام الرعب والخوف تذهل عنه وعن كل ما حولها، وتستغرق في التفكير بمصيرها، فهي تعجز في لحظات الحَيْرة والذهول عن التفكير إلا بنفسها، لأن حدّة المعاناة لا تترك لها أيّ مجال للالتفات إلى أي شخص آخر.
{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وتسقط الحامل ولدها من بطنها من شدة الذهول، وتطرح كل ذات حملٍ ما يثقلها مما تحمله، مهما كان عزيزاً عليها، لأنها لا تعي كل ما حولها، ولا تملك المقدرة على الاهتمام بأي شيءٍ سوى نفسها التي تخاف عليها السقوط تحت مؤثرات الرعب القاتل. {وَتَرَى النَّاسَ سكارى} لا يعقلون أيّ شيء، تماماً كما لو كانت عقولهم قد خولطت بالخمر، {وَمَا هُم بسكارى} فلم يذُوقوا قطرة منها، ولكنهم خاضعون لسكرة الذهول التي أطبقت على أفكارهم ومشاعرهم ومكامن الرؤية فيهم. {وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} في ما يشاهدون ويتصورون ويتخيلون من هذه الأهوال العظام، فيشتد الإحساس في داخلهم بالهول، حتى ينفصلوا عن العالم كله وعن كل ما فيه من مخلوقات وأحداث.
هل فكرتم كيف تواجهون هذا الجوّ وهذا المصير، وكيف تتخفّفون من أثقاله؟
إن الله لا يريد لكم أن تسقطوا أمام الخوف والهول، وأن تتجمدوا عنده وتواجهوا الموقف بطريقة لاواعية، وأن يأتي الإيمان ردّ فعلٍ على الخوف، بل يريد أن يكون الخوف أساساً حافزاً للاهتمام الجدّي، كمقدمة للتفكير والتأمّل، وصولاً إلى الإيمان والتقوى الشاملة في خط الله.
تفسير القرآن