تفسير القرآن
الحج / الآية 18

 سورة الحج الآيات 18

الآيــة

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّمَـوَاتِ وَمَن في الأرض وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ والدواب وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يشاء} (18).

* * *

كل ما في الكون ساجدٌ لله

كيف يريد الله لنا أن نجسّد عظمته في وعينا الفكري والروحي والعملي، لنتمثلها ونعيشها في إيماننا به؟ إنه يريدنا أن نتطلع إلى خلقه، لنرى المخلوقات كلها تمارس العبادة والخشوع أمامه بطرق متنوعة، تختلف أشكالها وأوضاعها تبعاً لاختلاف طبيعة هذه المخلوقات.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّمَـوَاتِ وَمَن في الأرض} من مخلوقات عاقلةٍ وغير عاقلة عبر خضوعها المطلق له، وانفعالها بجلال عظمته، {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} اللذان يجريان وفق النظام الكوني الموضوع لهما من قبل الله، هذا النظام الحاكم حركة الإنسان والحياة، {وَالنُّجُومُ} التي تتلألأ في السماء، فتبدو كما لو أنها مصابيح معلّقة في الفضاء، ولكنها في الواقع أكوان فسيحة تختلف في طبيعتها وأشكالها وخصائصها، ولكنها لا تختلف في خضوعها لله، عبر ما أودعه فيها من قوانين ونظم كونية، يتجلى فيه السجود الكونيّ له، {وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ} الذي يهتز فيه الورق ويخضرّ، وتنمو فيه الثمرة وتنضج، وتعلو فيه الأغصان وتتمدّد، وينطلق فيه جذعها ويرتفع في الفضاء، في موسم معيّن، للاخضرار، وللنموّ، وللقطاف، ضمن تخطيطٍ إِلهيٍّ كامل لا يبتعد عنه ولو مقدار شعرة.. {والدواب} التي يمشي بعضها على أربع، ويزحف بعضها على بطنه، ضمن إلهام إلهيّ حدّد لها حركة الحياة وأخضعها لخط سير محدد يمثل سجوداً واقعياً بأكثر من طريقةٍ وطريقة.. {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} الذين آمنوا بالله فكراً وشعوراً وحركة حياةٍ، فعفّروا جباههم ووجوههم بالتراب على صورة ما يعنيه السجود في حياة الإنسان.

* * *

حق العذاب على العاصين

{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} ممن تمردوا على الله فلم يؤمنوا به، ولم يطيعوه، ولم يخضعوا له، ولم يسجدوا بين يديه، استكباراً وجهلاً، فأهانهم الله بالعذاب الذي يذيقهم إيّاه يوم القيامة جزاءً على انحرافهم، دون أية حجةٍ لهم في ذلك كله، {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} لأن إكرام الله هو الإكرام، فهو الذي يملك الأمر كله، والقيمة كلها، فلا قيمة لإِكرام غيره في الشكل والمضمون والامتداد، لأن غيره لا يملك لنفسه أيّة قيمةٍ أو كرامةٍ إلا بالله.. {إِ نَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يشاء} في ما يكرم به عباده المؤمنين به المطيعين له، أو في ما يهين به عباده الكافرين به العاصين له.. الذين يرفضون السجود له في كل وجودهم.