من الآية 19 الى الآية 24
الآيــات
{هَـذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ في رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رؤوسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كلما أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ* وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُواْ إِلَى صراط الْحَمِيدِ} (19ـ24).
* * *
معاني المفردات
{خَصْمَان}: قال صاحب المجمع: «الخصم: يستوي فيه الواحد والجمع، والذكر والأنثى. يقال: رجل خصم، ورجلان خصم، ورجال خصم، ونساء خصم. وقد يجوز في الكلام: هذا خصمان اختصموا، وهؤلاء خصم اختصموا. قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نبأ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَاب} [ص: 21]، وهكذا حكم المصادر إذا وُصف بها أو أُخبر بها»[1].
{الْحَمِيمُ }: الماء الشديد الحرارة، والحميم: القريب المشفق كما في قوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ *وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [الشعراء: 100ـ101] وقوله: {وَلاَ يَسأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [المعارج: 10] فكأنه الذي يحتدّ حماية لذويه[2].
{يُصْهَرُ }؛ الصهر: الإذابة، أي: يذوب وينضح بذاك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء والجلود.
{مَّقَامِعُ }: جمع مقمعة، وهي مدقة الرأس، من قمعه قمعاً: إذا ردعه. وقال الراغب: «وهو ما يُضرب به ويُذلّلُ، ولذلك يقال: قمعتُه فانقمع، أي: كففتُه فكفَّ»[3].
{الْحَرِيقِ }: المحرق، كالأليم: المؤلم.
{وَهُدُواْ }: أرشدوا.
* * *
للكافرين عذاب الحريق
{هَـذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ} فمنهم من كفر بالله، ومنهم من آمن به.. وعاشوا الحياة صراعاً فيما بينهم، لأن لكلٍّ منهم خطّاً فكرياً وموقعاً للحكم وللسياسة وللحياة مختلفاً يدور القتال حوله، كما أن لكلٍّ منهم قياداتٍ وأتباعاً وأوضاعاً.. وتبقى الحياة، ويبقى هذان الخصمان على صراعهما ليحكما الحياة منذ البداية إلى النهاية، ولكن ماذا بعد الحياة عندما يقوم الناس لرب العالمين؟!
{فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} فهم يلبسون النار ثياباً تغطي أجسادهم وتسترها، لكنها تلذعهم وتحرقهم، {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رؤوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِمْ } أي: يذاب بالماء المغلي كل ما في بطونهم من الأمعاء {وَالْجُلُودُ} التي تذوب وتنضح {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ *كلما أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} يعيشونه، فهم يكادون يتمزقون غيظاً في هذا الجو الذي يعانون منه، ومن هذا المصير الذي انتهوا إليه، ويحاولون الخروج بالتوسل أو بمحاولة الهرب، أو بأيّة طريقة أخرى، ولكنهم ما إن ينجحوا في ذلك حتى يعادوا إليها {أُعيدوا فيها} وقيل لهم: {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} لأن عذاب الآخرة جزاء خالد لا يسمح بأية فرصةٍ للتفلّت منه ولا يصل إلى أيّة نهايةٍ.
* * *
للمؤمنين الصالحين جنات تجري من تحتها الأنهار
أما من آمنوا بالله وأطاعوه، فلهم موقع آخر وشأن آخر: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} في ما يمثله ذلك من مظهر الإكرام والإنعام والرضوان، {وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} بما يعنيه ذلك من الرقة والنعومة والصفاء والإشراق.. {وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} الذي التزموه في حياتهم، هذا الذي تُعبر عنه المعاني الطيبة، والروح الطيبة، والمنهج الطيب، حيث يبتعدون في حياتهم وممارساتهم عن خبيث القول والعمل والمنهج وباطله {وَهُدُواْ إِلَى صراط الْحَمِيدِ} صراط الله المحمود في ذاته وفي فعله وفي رحمته ورضوانه.
وهذا هو الفرق بين الذين يعيشون الكفر كخطٍّ في جميع أنواعه وبين الذين يعيشون الإيمان كمنهج في جميع أوضاعهم وأعمالهم.. وهذا ما يجب أن يفكروا به عندما يفكرون في الاختيار بين ما يأخذون وما يتركون.
ــــــــــــــــــــــ
(1) مجمع البيان، ج:7، ص:123.
(2) انظر: الأصفهاني، الراغب، معجم مفردات ألفاظ القرآن، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، ص:129.
(3) مفردات الراغب، ص:428.
تفسير القرآن