تفسير القرآن
الحج / الآية 38

 الآية 38

الآيــة

{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (38).

* * *

بين أمانة المؤمنين وخيانة الكافرين لله

إن المؤمنين الذين أسلموا لله في دينهم، بالالتزام به في خط العقيدة، والسير على هداه في خط العمل، وجاهدوا في سبيل الله، بكل ما يملكون من جهدٍ في أنفسهم وأموالهم؛ إن هؤلاء المؤمنين، هم الذين أخلصوا لله وحفظوا الأمانة ورعوها، أمّا المشركون والكافرون، الذين أشركوا بالله في العقيدة أو في العمل، وجحدوا رسوله، وانحرفوا عن شريعته، فهم الخائنون لله وللرسول وللحياة كلها، والكافرون بكل الحقائق الإلهية التي جعلها الله أمانة في أعناق الناس، على مستوى الفكر والعمل، وبذلك كان المؤمنون فريق الله في الحياة، بينما كان المشركون فريق الشيطان. وقد أكد الله التزامه بتهيئة كل فرص الدفاع عن المؤمنين بتوفير أسباب النصر التي قد تأتيهم من حيث يحتسبون، في ما يأخذون به من الأسباب، أو في ما يهيئه الله لهم منها من غامض علمه، دلالةً على الحب والرعاية، بينما يخذل الآخرين، ويمنعهم من لطفه، دلالةً على السخط والإهمال.

* * *

الله يدافع عن الذين آمنوا

{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ} عبر توفير الفرص الملائمة للدفاع والنصرة، وعبر إثارة مشاعر الأمن والقوّة في نفوسهم، وتهيئة الظروف الملائمة لساحات الصراع بما يحقق لهم أسباب التحرك نحو النصر، وتقوية الدوافع الذاتية لمواجهة مواقع التحدي الكافر في حياتهم العامة والخاصة..

وليس معنى ذلك أن الله قد التزم على نفسه نصر المؤمنين بصورة تكوينية، بحيث يصبح نصرهم أمراً حاسماً ومباشراً تماماً كما يخلق الله الأشياء بشكل مباشر مما لا تنفصل فيه الإرادة الإلهية عن مراده، بل معنى ذلك، هو اهتمامه بأمرهم من موقع محبته ورعايته لهم، بحيث يلطف لطفاً خفياً لا يلطف به غيرهم، وهو تعبير عن الحب عملياً بالدفاع عنهم مقابل موقف الرفض من الكافرين الخائنين لأمانة الله، على مستوى الإيمان.

* * *

الله لا يحب كل خوّان كفور

{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } فالله لا يحب الخيانة في سلوك الإنسان، لأنها انحراف عن خط الاستقامة التي هي أساس ثبات حركة الإنسان في قضاياه العامة وسبب استقرارها.. كما أن الله لا يحب الكفر الذي يسيء إلى خط الالتزام بالحقائق الأساسية التي تمثل المنهج الفكري الممتد في الجانب العمليّ منها، لأن الله يريد للإنسان أن يتحرك في خط الالتزام على أساس وضوح الرؤية في التصور والحركة.. وإذا كان الله لا يحب هؤلاء الذين يلتزمون خط الخيانة والكفر، فإنه يهملهم ولا يدافع عنهم ولا ينزل عليهم من ألطافه، بل يتركهم لأنفسهم، ولصيرورة الأشياء الطبيعية التي قد تحقق الهزيمة لهم، فلا يتدخل لمنعها، وقد يقعون في الضعف، فلا يقوّيهم بوحيه ورحمته، بينما يتدخل في بعض الحالات لمنع هزيمة المؤمنين، كما فعل في معركة بدر والأحزاب وغيرهما، أو قد ينزل وحيه أو ملائكته لتقوية موقف المؤمنين إذا ضعفوا..

وخلاصة الفكرة في الآية، أن الله ينسب الدفاع عن الذين آمنوا إلى نفسه، بالطريقة نفسها التي ينسب فيها الأمور المتعلقة بالإنسان والحياة إلى ذاته، عبر الوسائل المألوفة وغير المألوفة، للإيحاء بالرعاية الخاصة التي يمنحها للمؤمنين بلطفه ورحمته؛ والله العالم.