تفسير القرآن
آل عمران / من الآية 42 إلى الآية 44

 من الآية 42 الى الآية 44

الآيــات

[وَإِذْ قَالَتِ الْملائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآء الْعَالَمِينَ * يا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِي مَعَ الراكِعِينَ* ذلِكَ مِنْ أَنبَآء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ](42ـ44).

* * *

معاني المفردات:

[اصْطَفَاكِ]: اختارك للكرامة الربانية. وقد مرّ الاصطفاء سابقاً.

[اقْنُتِى]: أديمي الطاعة للّه سبحانه. ومعنى القنوت: دوام الطاعة.

[أَقْلامَهُمْ]: أقواسهم وسهامهم التي يقترعون بها، وإلقاء الأقلام طريقة خاصة كانت تمثّل عملية الاقتراع آنذاك. وقيل: أقلامهم التي يكتبون بها التوراة حيث ألقوها في النهر.

* * *

أجواء مغمورة باللطف الإلهي:

... وتبقى مريـم في أجواءٍ روحيّةٍ مغمورةٍ باللطف الإلهي، فقد أراد اللّه لها أن تعيش في حياتها السرّ الكبير الذي تتجلى فيه قدرة اللّه بأسلوب جديد لـم يألفه البشر، ولا بُدَّ لهذه الإنسانة التي اختارها اللّه من بين النّاس، أن تُعدّ نفسها لذلك إعداداً روحيّاً مميّزاً يوحي بالطهر والقداسة والاطمئنان، وذلك في نطاق المشاعر العميقة برعاية اللّه لها وعنايته بها وحمايته لها من كلّ سوء؛ فكان لها ذلك الجوّ الذي عاشته في حضانة زكريا وكفالته.. وامتدّ في حياتها بما أنزل اللّه لها من رزق يوحي بالكرامة في أجواء الغيب الذي ترفرف فيه الملائكة من خلال ما تحسُّ به هذه الإنسانة الطاهرة، مما قد يبعث في داخلها الدهشة والطمأنينة معاً.. وبدأت الملائكة تحدّثها، في اللحظات التي أريد لها أن تقترب من موعد السرّ الكبير، لتشعر بالحماية الإلهية قبل أن تدهمها المفاجأة التي تُدخلها في التجربة الصعبة..

وأخبرتها الملائكة بأنَّ اللّه اختارها لكرامته وجعلها طاهرةً من الدنس، ليتعمّق في إحساسها الشعور بالطهر، فلا يداخلها أيّ وهمٍٍ طارئ بسبب ما ينتظرها من موقف غير مألوف، لأنَّ ذلك هو معنى عملية الاصطفاء من خلال ما توحي به من التميّز والتقدّم... وربَّما كان في تكرار كلمة «الاصطفاء» تأكيد للفكرة وإيحاء بأنّ ما يحدث لها لـم يحدث ولن يحدث لغيرها من نساء العالمين... فهنّ لا يحملن إلاّ بالوسائل الطبيعية للحمل، أمّا هي فستحمل بوسيلةٍ جديدةٍ من وسائل القدرة الإلهيّة لولادة الإنسان، الذي سيكون مميّزاً ومعجزة في طريقة خلقه ونموّه العقلي والروحي.

وربَّما أثار هذا النداء في نفسها شعوراً بالحَيْرة أمام هذا السرّ الخطير الذي يلفّه الغموض والإبهام، فهي تعرف أنَّه سرّ عظيم، ولكنَّها تجهل كنهه، وتريد أن تعي ماذا يجب عليها أن تفعله من فروض الشكر له على هذه الكرامة الخفيّة؟

... وحدّثتها الملائكة أنَّ عليها أن تبقى في أجواء عبادة اللّه لتبقى في الأجواء الروحيّة التي تبتعد بها عن حدود المادة، فتقنت في ما يمثِّله القنوت من معنى الطاعة عن خضوع، وتركع وتسجد للّه، في ما يمثِّله هذا الانحناء من الشعور بالانسحاق الذاتي أمام عظمة اللّه... فذلك هو الذي يحميها من كلِّ مشاعر الضعف والقهر والاضطهاد مع الآخرين، وهو الذي يُساعدها على الانتظار في ظلّ الغموض الشاحب.

وتتوقف الآيات هنا، لتلتفت إلى الرسول محمَّد صلّى اللّه عليه وسلّم، فتوحي إليه بأنَّ ما قصّه اللّه عليه من قصة مريـم هو من أنباء الغيب التي أوحى بها اللّه، فهو لـم يعشها ولـم يعرفها عن حس ومشاهدة، ولـم يقرأها، لأنَّه لـم يُمارس القراءة والكتابة... وربَّما لـم تكن بعض تفاصيلها معروفةً حتّى عند أهل الكتاب، لأنَّها غير مذكورة بدقائقها في الإنجيل. وقد يكون في قوله تعالى: [وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ] إشارةً إلى أنَّ المراد بالغيب عدم الحضور، في ذلك الوقت الذي وقف فيه القوم ليلقوا أقلامهم وهي القداح والسهام التي يقترعون بها عندما اختصموا في كفالة مريـم لمن تكون. ولعلّ في التأكيد على ذلك ما يوحي بقيمة هذه الحادثة لعلاقتها بالنمو الروحي لمريـم(ع).

[وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ] الذين أراد اللّه لهم أن يبلغوا إلى مريـم رسالةً روحية تفتح قلبها وتقوي روحيتها، وتبلغ بها قمة السعادة المنفتحة على حبّ اللّه، {يامَرْيَم} أيتها الروح الملائكية في صورة إنسان، التي تحررت من ضغط الشهوة فتمرّدت على كلّ عناصر الإغراء والإغواء، فكانت السيِّدة على نفسها قبل أن تكون السيِّدة على الآخرين، أيتها الإنسانة الطاهرة التي عاشت في شخصيتها طهارة العقل والروح والجسد، أيّتها العابدة التي عاشت العبادة في حياتها انطلاقة عبودية للّه في عمق إحساسها بمعنى الربوبية، وخفقة روح بحبّ اللّه، ونبضة قلب يحمده ويشكره، وهزّة شعور ينفتح عليه... أيتها الضعيفة في جسدها، القوية في روحها، الكبيرة بإيمانها، أيُّها الطهر الذي لا يقترب إليه دنس، والنقاء الذي لا يصيبه كدر، والصفاء الذي لا يطوف به العكر... [إِنَّ اللّه اصْطَفَاكِ] لتكوني محل كرامته ومظهر قدرته ومعجزة إرادته، [وَطَهَّرَكِ] من كلّ رجسٍ معنوي، لتكوني رمز الطهر الأبيض بياض الثلج، النقي نقاء النور، ]وَاصْطَفَاكِ] من بين خلقه [عَلَى نِسَآء الْعَالَمِينَ]. فقد أعدّك إعداداً روحياً أخلاقياً لتكوني القدوة للجميع، فلم تحصل امرأة من كلّ جيلك من النساء على ما حصلت عليه من المَلَكة الروحية والكرامة الإلهية، وأنبتك نباتاً حسناً في حركة النمو الطبيعي الواعد بأفضل النتائج وأطيب الثمار. فـ [يمَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبّكِ] واستمري في خطّ الطاعة، فلا بُدَّ من أن تبقي معه في صوفية الروح، وعبادة الذات، وخشوع الإحساس، وحركية الكيان... فإنَّك كلّما عبدت اللّه وأطعته أكثر كلّما فاضت ألطافه عليك أكثر، وأحبّك أكثر، [وَاسْجُدِي] في حالة انسحاق الذات أمامه كتعبير عن ذوبان الوجود في وجوده، [وَارْكَعي مَعَ الركِعِينَ] بما يمثّله الركوع من انحناء الإرادة أمام إرادة اللّه من خلال انحناء الجسد أمامه؛ فإنَّ قصة العبودية في حضرة الألوهية هي قصة الذوبان الروحي والجسدي في معنى الانسحاق الكلي في السجود للّه والانحناء الكلي في الركوع له، ليعيش الإنسان مع كلّ الراكعين في انحناء وجودي شامل يقف فيه الإنسان بكلّ وجوده خاضعاً للّه في عملية تكامل في معنى العبودية بين يدي الربّ[1].

[ذلِكَ مِنْ أَنبَآء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ] لتعيش التاريخ الرسالي في حركته الروحية وفي نماذجه المميّزة، كما لو كنت في زمانه، فتنطلق التجربة الحيّة في رسالتك لتكون منطلقاً للسموّ والصفاء، وانفتاحاً على العبرة الواعية التي تمنح الحاضر درساً متحرّكاً في تجربته من خلال الماضي في عملية تواصل بين الزمانين كمظهر للتواصل بين الرسالات{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقلامهم} لتي يكتبون بها، أو أقواسهم التي كانوا يقترعون بها بما جعلوه عليها من علامات يعرفونها بها [أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ] ويرعاها ويحفظها ويربيها بعد أن فقدت أباها وأمها، [وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ] فقد كان التنافس بينهم شديداً حتّى بلغ حدّ الخصومة، لأنَّ الظاهر أنَّ كفالة مريـم كانت تمثّل لهم امتيازاً يمنحهم الشرف، وينفتح بهم على الخير، وهكذا كانت النتيجة خروج القرعة على اسم زكريا عليه السَّلام، الذي أراد اللّه له أن يكون الكفيل لمريـم (ع)، لأنَّه يمثّل الإنسان النبيّ الصالح الذي يمكن أن يحقّق لها النمو الطبيعي والتربية الصالحة.

شرعية القرعة:

وقد نستفيد من هذه الآية شرعية القرعة كحلّ للمنازعات التي قد تحدث بين النّاس إذا لـم يكن هناك أساس معتبر للجدّ، أو فرصة مناسبة للتفضيل في الواقع، وأريد العدل في التحديد أو في القسمة بحسب حالة النـزاع التي لـم يتفق فيها الأشخاص المعنيّون على شيء معيّن بالتفاهم والتوافق، كما في هذه القضية التي وقعت موضعاً للخصومة الشديدة، فلم يجد القوم سبيلاً للوفاق إلاّ الأخذ بالقرعة التي ارتضوا بها باعتبار أنَّها الطريقة المعروفة لديهم في مثل هذه الأمور. وهذا هو ما حدث ليونس عندما اقترع الركاب في السفينة لتحديد الشخص الذي يُقدّم للحوت الذي يهدّد السفينة بالغرق إلاَّ إذا قدّم إليه أحدهم ليلتقمه؛ وذلك هو قوله تعالى: [فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ] (الصافات:141). وروي أنَّ النبيّ محمَّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم اقترع بين نسائه عندما كان يريد السفر لاختيار واحدة منهن لصحبته، كما أنَّه أمر بها في بعض الموارد، وقد أقرّها علماء الإمامية من ناحية المبدأ، استناداً إلى ما ورد في الكتاب والسنة، وما أُثِر عن الأئمة من أهل البيت(ع) في ذلك، فقد ورد عن محمَّد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن موسى الكاظم(ع) عن شيء فقال: «كلّ مجهول ففيه القرعة، قلت له: إنَّ القرعة تخطئ وتصيب، فقال: كلّ ما حكم اللّه به فليس بمخطئ»[2]، وقد روي عن الإمام جعفر الصادق(ع) أنَّه قال: ما تقارع قوم فوّضوا أمرهم إلى اللّه إلاّ خرج سهم المحقّ، وقال: «وأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى اللّه عزَّ وجلّ؟ أليس اللّه تبارك وتعالى يقول: [فَسَـهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ]»[3] (الصافات:141)، وقد تعدّدت الرِّوايات عن عليّ(ع) أنَّه استعملها في كثير من أقضيته.

أمّا أبو حنيفة وأصحابه، فقد استبعدوا الأحاديث الواردة فيها، واعتبروها تشبه الأزلام التي نهى اللّه عنها.

وقد أُثير خلاف حول ما إذا كانت القرعة تحدّد الواقع المجهول إذا اشتبه أمره بين شيئين، بحيث يختص موردها بما إذا كان الحقّ معيناً في الواقع واشتبه علينا ظاهراً لعارض، أو يشمل ما كان مردّداً بين شيئين أو أكثر ولـم يكن معيناً في الواقع أيضاً ويُطلب فيه الشيئان، ومن هذا القسم ما كان من الأمور المشتركة بين ذوي حقوق ولـم يتراضوا بسهم عيّنه بعضهم بغير معين. والظاهر أنَّ القرعة قاعدة عقلانية جرى عليها العقلاء في أمورهم العامّة والخاصّة كوسيلةٍ من وسائل حسم الأمور المتنازع فيها، إذا لـم يكن هناك وسيلة خاصة معتبرة للوصول إلى نتيجة حاسمةٍ، وذلك من خلال ما ينطلقون به في تنظيم أمورهم في النظام العام الذي يلتزمونه بشكل عام، بحيث يلومون ويؤنّبون الخارج عن هذا النظام. وقد درج العقلاء على الرجوع إلى أمارات خاصة ووسائل معينة لتحديد القضايا وحلّ المشكلات، مما قرروه من وسائل الإثبات في القضاء وغيره، ولكنَّهم قد يواجهون في حياتهم بعض المواقف التي لا يملكون فيها أيّة وسيلة معينة للتعيين أو للتحديد، فكانت القرعة حلاًّ حيث لا حلَّ، من دون فرق بين ما إذا كان هناك واقع يُراد تعيينه، أو كانت المسألة موضع إشكال أو تنازعٍ للأخذ بخيار خاص، لأنَّ الأساس فيها هو أن لا تبقى القضية بعيدةً عن الحسم الذي يحلّ به النـزاع ويرتفع به الإشكال.

وفي ضوء ذلك، فإنَّ القضية من القواعد العقلانية الإنسانية التي لا يختلف فيها شعب عن شعب، فهي من القضايا التي تدفع إليها الحاجات البشرية العامة في حلّ المنازعات على قاعدةٍ يرضى بها الجميع.

وربَّما كان أخذ الأنبياء والأئمة (ع) بها منطلقاً من صفتهم العقلائية، إمّا من باب الإمضاء للبناء العقلائي الذي يعني إقرار العقلاء على ما يسيرون عليه في نظام حياتهم، فيكون الحكم الشرعي إمضائياً، وإمّا من باب أنَّ الشريعة لا تحتاج إلى التشريع في مثل القرعة لأنَّ للعقلاء شريعة منطلقة من فطرتهم الصافية بإلهامٍ من اللّه، فتكون القضية تماماً كالقضايا الأخرى في طريقة طعامهم وشرابهم ولباسهم وسكنهم التي لـم يحدّد اللّه للنّاس فيها طريقة معينة، بل ترك الأمر لهم في خطّ النظام العام من دون أن يصدر فيه حكماً شرعياً خاصاً، إذ لا مقتضى له بعد أن كان الواقع العقلاني واقعاً موافقاً للمصالح العامة للنّاس.

القرعة: عبادة وابتهال:

وقد جاءت الأحاديث عن أئمة أهل البيت(ع) لتجعل للقرعة معنى دينياً في أسلوب دعائي ابتهالي، يرجع فيه المقترعون إلى اللّه، طالبين منه أن يلهمهم الصواب ويخرج لهم الحقّ، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق(ع) في الصحيح في رواية الفضيل بن يسار المروية في الكافي والتهذيب، قال: سألت أبا عبد اللّه(ع) عن مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء؟ قال: يقرع الإمام أو المقرع يكتب على سهم (عبد اللّه) وعلى سهم (أمة اللّه)، ثُمَّ يقول الإمام والمقرع: اللّهم أنت اللّه لا إله إلاَّ أنت عالـم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك ما كانوا فيه يختلفون، فبيّن لنا أمر هذا المولود كيف يورّث ما فرضت له في الكتاب؟ ثُمَّ يطرح السهمان في سهام مبهمةٍ، ثُمَّ يُـجال السهام على ما خرج، وورِّث عليه[4].

وهكذا تتحوّل القرعة في مضمونها الديني الجديد إلى عمليةٍ تتضمن معنى العبادة والدعاء، فهي ـ في هذا الجوّ ـ وسيلة من وسائل تفويض الأمر إلى اللّه، عندما تتعقد الأمور وتدفع إلى الشلل والحَيْرة، وتخرج ـ بذلك ـ عن دائرة الأزلام المعروفة في الجاهلية التي كانوا يستقسمون بها، وهذا ما يجعل للطمأنينة النفسية في نتائجها أساساً في العقيدة التوحيدية التي تدعو النّاس إلى التفويض إلى اللّه والرضى به. ولهذا فإنَّها لا يمكن أن تقع على سبيل التجربة التي لا تنطلق من الجدّية في الوصول إلى الحل؛ وهذا ما رواه في التهذيب صحيحاً عن جميل قال: قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة «القرعة» أليس حقّاً؟ فقال زرارة: بل هي حقّ. فقال الطيار: أليس قد رووا أنه يخرج سهم المحقّ؟ قال: بلى. قال: فتعال حتى أدّعي أنا وأنت شيئاً ثُمَّ نساهم عليه وينظر هكذا هو، فقال زرارة: إنَّما جاء الحديث بأنَّه ليس قوم فوّضوا أمرهم إلى اللّه ثُمَّ أقرعوا إلاّ خرج سهم المحقّ، فأمّا على التجارب فلم يوضع على التجارب، فقال الطيار: أرأيت إن كان جميعاً مدّعيين ادعيا ما ليس لهما من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان كذلك جُعل معه سهم مبيح، فإن كان ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح[5].

وهذه الثقة بالنتائج ليست منطلقة من طبيعة العملية كلعبة خاصة يحاول اللاعبون أن يجرّبوا فيها حظهم، بل هي قضية إخلاص روحي في الرجوع إلى اللّه، ليختار لهم ما فيه صلاحهم أو ما فيه تعيين الحقّ في الواقع، ما يجعل للمسألة بُعداً إيمانياً في الروح، لا مجرّد بُعدٍ إلهيّ في الوسائل.

ـــــــــــــــــــــ

(1) اختلف المفسرون في تفضيل مريم على نساء العالمين، هل المقصود نساء عالمها ـ وعليه أكثر المفسرين ـ أو نساء العالمين أجمع ـ وعليه الزجاج وغيره، والظاهر أن القول الأول أصح لورود كثير من الروايات الصحيحة، بأن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، كما أن طبيعة الاختيار توحي بذلك باعتبار أنه يحصل في دائرة النساء الموجودة في ذلك الزمن؛ والله العالم.

(2) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر الأئمة الأطهار، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، ط:1، 1412هـ ـ 1992م: 37، ج:101، ص:470، باب:21، روا ية:6.

(3) (م.ن)، م:37، ج :101، باب:21، ص:470، رواية:5.

(4) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج:7، ص:158، رواية:2، والتهذيب، ج:6، باب:22، ص:239، رواية:19.

(5) التهذيب، ج:6، باب:22، ص:238، رواية:15.