من الآية 56 الى الآية 58
الآيــات
[فأمّا الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدُّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين * وأمّا الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات فيوفيهم أجورهم واللّه لا يُحبُّ الظَّالمين * ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم] (56ـ58).
* * *
جزاء الكافرين والمؤمنين:
وتلك هي نهاية الصراع عندما تبدأ عملية الجزاء عند اللّه. فأمّا الكافرون الذين لا يستند كفرهم إلى أساس من علم أو واقع، بل كلّ ما هناك العناد والمكابرة والكبرياء... أمّا هؤلاء فسيلاقون جزاءهم في الدُّنيا من خلال ما يعذّبهم اللّه به من صنوف البلاء الذي يتحوّل في كيانهم إلى عذاب نفسي وجسدي مدمّر... وفي الآخرة من خلال ما يواجهونه من جحيم النّار وبئس القرار... وسيتطلّعون في هذا الموقف أو ذاك، إلى من اعتادوا الاستغاثة بهم طلباً للنصرة، فلا يجدون أمامهم أحداً، لأنَّ اللّه سبحانه يملك الأمر كلّه، فهو الذي يكفي من كلِّ شيء ولا يكفي منه شيء... وأمّا المؤمنون الذين اعتبروا الحياة موقف إيمان وعمل وكدح إلى اللّه، فآمنوا به وعملوا لما عنده وكدحوا في سبيله؛ فاستحقوا الأجر منه على ذلك كلّه، من خلال وعده لهم بالجزاء الأوفى عنده، والثواب العظيم لديه، فقد جاء وقت الوفاء بعد انتهاء وقت العمل، واللّه عند وعده لعباده، أمّا هؤلاء، فيوفيهم أجورهم كاملة غير منقوصة، فإنَّه يحبّ المؤمنين العاملين، ولا يحبّ الظالمين الذين يظلمون أنفسهم بالكفر والمعصية والانحراف عن خطّ اللّه المستقيم في العقيدة والعمل.
[فأمّا الذين كفروا] الذين ابتعدوا عن اللّه، وانحرفوا عن خطِّ الإيمان المستقيم بسبب الهوى الذي يزيّن لهم الضلال ويقودهم إلى مواقع السقوط الفكري، [فأعذبهم عذاباً شديداً في الدُّنيا] بما يلاقونه من ألوان العذاب المتمثِّل بالبلاء الذي يعيبهم في أجسادهم وأهليهم وأموالهم وعقولهم ومواقعهم، [والآخرة] بما يواجهونه من عذاب النّار، [وما لهم من ناصرين] ومَنِ الذي ينصرهم من اللّه؟
[وأمّا الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات] لأنَّهم انفتحوا على اللّه في وحيه من خلال آياته، واتبعوا رسله في خطّ الرسالات الذي يهدي إلى الصراط المستقيم ويدلهم على اللّه، [فيوفيهم أجورهم ] لأنَّ اللّه لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفر يدخل قلبه، [واللّه لا يُحبُّ الظَّالمين] الذين ظلموا أنفسهم وربَّهم بالكفر والمعصية، وظلموا النّاس بالبغي والعدوان، وهذا هو الخطّ الفاصل بين مواقع الكفر والإيمان.
[ذلك] إشارة إلى أخبار الأنبياء عيسى ويحيى وزكريا (عليهم السَّلام) وغير ذلك من شؤون العقيدة [نتلوه عليك من الآيات] التي توضح لك كلّ الخطوط العامّة والخاصّة التي تتصل بحركة المسؤولية في حياة النّاس، [والذكر الحكيم] الذي ينـزل عليك وحياً من اللّه ليوضح لك سبيل النجاة في الدُّنيا والآخرة.
وفي هذه الجولة التي أراد اللّه للنبيّ محمَّد (ص) أن يجولها في تاريخ النبوّات السابقة والأنبياء السابقين وأتباعهم، يريد اللّه أن يظهر له آياته التي تفتح له أبواب المعرفة فيها، وأن يجولها في ذكره الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها من دون زيادة أو نقصان.
تفسير القرآن