من الآية 79 الى الآية 80
الآيتـان
{ما كان لبشرٍ أن يؤتِيَهُ اللّه الكتاب والحكم والنُّبوَّة ثُمَّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون اللّه ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تُعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتَّخذوا الملائكة والنَّبيين أرباباً أيأمركُم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (79ـ80).
* * *
معاني المفردات:
[لبشرٍ]: البشر: يقع على القليل والكثير، فهو بمنـزلة المصدر مثل الخلق. تقول: هذا بشرٌ وهؤلاء بشرٌ، كما تقول: هذا خلق وهؤلاء خلق، وإنَّما وقع المصدر على القليل والكثير لأنَّه جنس الفعل، فصار كأسماء الأجناس، مثل: الماء والتراب ونحوه.
[ربَّـانيين]: الرباني: هو الرّب يربّ أمر النّاس بتدبيره وإصلاحه إياه، يُقال: ربّ فلان أمره ربابة وهو ربّان، إذا دبّره وأصلحه، ونظيره نَعَس يَنْعَسُ وهو نعسان. وأكثر ما يجيء فعلان من فَعَل يَفْعَل فيكون العالِم ربّانيّاً لأنَّه بالعلم ربّ الأمر ويصلحه، وقيل: إنَّه مضاف إلى علم الرب، وهو علم الدين الذي يأمره به، إلاَّ أنَّه غيّر في الإضافة ليدل على هذا المعنى، كما قيل في الإضافة إلى البحرين بحراني، وكما قيل للعظيم الرقبة: رقباني، وللعظيم اللحية: لحياني، فقيل لصاحب علم الدين الذي أمر به الربّ: رباني[1]؛ وقيل: هو الشديد التمسك بدين اللّه وطاعته.
[تدرُسُونَ]: تديمون القراءة والدرس والحفظ، وأصله من: درس الدار إذا بقي أثرها. وبقاء الأثر ـ كما يقول الراغب ـ «يقتضي انمحاءه في نفسه، فلذلك فُسِّر الدروس بالانمحاء، وكذا درس الكتاب، ودرست العلم: تناولت أثره بالحفظ»[2].
* * *
مناسبة النـزول:
جاء في أسباب النـزول ـ للواحدي ـ: «قال الضحاك ومقاتل: نزلت في نصارى نجران حين عبدوا عيسى، وقوله: [لِبَشَرٍ] يعني عيسى، [أن يؤتيَهُ اللّه الكتابَ] يعني الإنجيل. وقال ابن عباس في رواية الكلبي وعطاء: إنَّ أبا رافع اليهودي والرئيس من نصارى نجران قالا: يا محمَّد، أتريد أن نعبدك ونتخذك ربّاً؟ فقال رسول اللّه: معاذ اللّه أن يُعبد غير اللّه أو نأمر بعبادة غير اللّه، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. قال الحسن: بلغني أنَّ رجلاً قال: يا رسول اللّه، نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: لا ينبغي أن يُسجد لأحدٍ من دون اللّه، ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحقّ لأهله. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية»[3].
ظاهرة التأليه:
لقد حدث في التاريخ الديني القديـم، أنَّ بعض النّاس قد تطرّفوا في تعظيم الأنبياء الذين كانوا يملكون طاقات روحيّة كبيرة، وينطلقون في حياة النّاس من خلال الدور العظيم الذي أوكل اللّه إليهم القيام به، مما استلزم صدور المعجزات على أيديهم لمواجهة التحدّي الذي كان يوجّه إليهم من قبل الكافرين، ولإثبات علاقتهم باللّه من خلال النبوّة، فنشأ من بعدهم جماعة يؤلهونهم وينسبون إليهم صفات الربوبيّة من خلال ما يدّعونه لهم من أسرار خفيّة في طاقاتهم ترتفع بهم إلى هذا المستوى، كما حدث ذلك بالنسبة إلى عيسى (ع) في ظاهرة التأليه والغلوّ التي امتدت إلى وقتنا هذا في ما يعتقده النصارى من فكرة المسيح ـ الإله.
وقد حدثت ظاهرة أخرى للتأليه، وهي ما كان متعارفاً لدى بعض العرب أو غيرهم من تأليه الملائكة، وذلك من خلال الأحاديث الدينية التي تتحدّث عن طاقاتهم الخارقة وقدراتهم الكبيرة في أوضاعهم وأشكالهم وأسرارهم.
وربَّما يتعلّل هؤلاء وأولئك بانتماء هذا الفكر إلى الأنبياء، فهم يدعون النّاس إلى أن يكونوا عباداً لهم، بتقديم فروض العبادة لهم، وبتقديسهم بالمستوى العظيم الذي يرتفع بهم إلى مستوى الربوبيّة. وقد يحدث ذلك من خلال ما يريد النبيّ لنفسه من قداسة وتأليه، وقد يحدث ذلك من خلال ما يفرضه أحد الأنبياء من توجيه النّاس إلى عبادة نبيّ آخر، أو في تأليه الملائكة، وذلك لما يثيره الأنبياء أمام النّاس من قصص وتعليمات في عظمة الملائكة وقداستهم التي تصل بهم إلى مستوى التأليه والربوبيّة.
* * *
النبوّة والرّسالة:
فكانت هاتان الآيتان من أجل أن يضع اللّه ـ سبحانه ـ الفكرة في موقعها السليم، ليدفعنا إلى التفكير في بطلان هذا التعلّل ببطلان الأساس الذي يرتكز عليه. [ما كان لِبشرٍ أن يؤتيهُ اللّه الكتابَ] فإذا كان اللّه قد أرسل بشراً بالكتاب الذي يفصّل للنّاس حقائق الأشياء في شؤون العقيدة والشريعة والحياة، ليركّز لهم المفاهيم الحقّة على أساس من الوحي... [والحكمَ] وأتاه الحكم ليفصل بين النّاس في ما اختلفوا فيه من خلال تطبيق الفكرة على حركة الواقع، لئلا يضيع النّاس في متاهات النظريات بعيداً عن التطبيق، [والنُّبوَّة] وأعطاه النُّبوَّة التي هي سفارة النبيّ بين اللّه وبين خلقه من خلال الوحي الذي ينـزل عليه... [ثُمَّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون اللّه] فلا يمكن أن يرسل اللّه مثل هذا الإنسان ويختاره من بين عباده، إلاَّ إذا كان متمتعاً بالصفات العظيمة التي تبعده عن كلّ انحراف في التصوّر والسلوك، وواعياً لدوره وموقعه وامتداد خطِّه الرسالي، وعظمة اللّه في نفسه، وضعة نفسه أمام اللّه، وشعوره العميق بالعبودية المطلقة أمام الألوهية المطلقة؛ لتكون رسالته منطلق خيرٍ وصلاح وإصلاح وتأكيد على الحقيقة في كلِّ مجالاتها الفكرية والعملية... وفي هذا الاتجاه، لا يُمكن أن يدعو النّاس إلى عبادة نفسه من دون اللّه، لأنَّه يعرف أنَّ قدراته كلّها، مهما كانت عظمتها، مستمدّة من اللّه ـ سبحانه ـ فإنَّه لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً إلاَّ باللّه؛ ولا يمكن أن يدعوهم إلى اتخاذ الأنبياء الآخرين والملائكة أرباباً من دون اللّه، لأنَّ ذلك هو الكفر الصريح الذي لا يمكن أن يصدر من النبيّ الذي تتلخص رسالته في تحويل النّاس من الكفر إلى الإسلام، لا في تحويلهم من الإسلام إلى الكفر.
إنَّ النبيّ لا يمكن أن يدعو النّاس إلى ذلك، بل لا بُدَّ من أن يدعوهم إلى أن يكونوا ربّانيين متألّهين، يعلمون كتاب اللّه ويعملون به ويعلّمونه للنّاس الآخرين ليكون العلم للعقيدة وللعمل وللهداية.
إنَّ القرآن يُناقش الفكرة بهذا الأسلوب الذي يصوّر القضية في مقام إثارتها بطريقة أنَّ ذلك ليس من حقّ النبيّ، وليس من شأنه، من أجل الإيحاء بأنَّه لا يفعل ذلك، لأنَّه لا يتجاوز حدّه الذي حدّده اللّه ـ سبحانه ـ له؛ وليس في مقام التنديد بمن يفعل ذلك من الأنبياء، فإنَّ الآية واردة في مقام الكناية.
* * *
الأنبياء يبرزون بشريتهم:
وقد نستوحي من هاتين الآيتين أنَّ الأنبياء لا يتحدّثون عن أنفسهم كثيراً للنّاس ليثيروا في حياتهم الشعور بالتعظيم والتقديس لهم، بل هم ـ على العكس من ذلك ـ يعملون على تأكيد جانب البشرية في ذواتهم بشكلٍ صريح مؤكّد، ويبرزون نقاط الضعف البشري بطريقة واضحة... كما نجد ذلك في ما حكاه اللّه عن رسوله (ص) في حواره مع المشركين، الذين طلبوا منه فعل بعض خوارق العادة التي يقترحونها للدلالة على نبوّته، انطلاقاً من عقيدتهم فيه بأنَّه مزوّد بطاقات هائلة يستطيع أن يقوم من خلالها بكلِّ شيء يُطلب منه. فقد أجابهم بقوله: [قل سبحان ربّي هل كنتُ إلاَّ بشراً رسولاً] (الإسراء:93).؛ وقوله: [ولو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّني السُّوء] (الأعراف:188) [إنَّما أتَّبعُ ما يُوحى إليّ من ربِّي] (الأعراف:203). وهكذا نلاحظ أنَّ القرآن لـم يتحدّث عن الأنبياء إلاَّ من خلال صفاتهم الذاتية المتصلة برسالتهم، كما حدّثنا عن حركة الرسالة في حياتهم وما لاقوه من عنتٍ واضطهادٍ وتشريد... وعن بعض نقاط الضعف البشري التي عاشوها في واقعهم الداخلي والخارجي، من أجل إبعاد النّاس عن الضلال والغلوّ، ليظلّ التصوّر في العقيدة مشدوداً إلى الواقع، بعيداً عن كلِّ ضروب الخيال والمثال الذي قد يطوف في أخيلة الكثيرين وأفكارهم.
[ما كان لبشر] أي ما ينبغي له، فليس ذلك من شأنه في ما جعله اللّه للبشر ـ أيّاً كان ـ من الشأن والموقع والدرجة [أن يؤتيه اللّه الكتاب] الذي أنزله عليه وكلّفه بإبلاغه للنّاس، [والحكم] الذي يريد منه التحرّك في الساحة العامّة للنّاس بإدارة أمورهم، وحل مشاكلهم وفصل القضايا في منازعاتهم، ليكون الحاكم في ذلك كلّه باعتبار أنَّ اللّه جعل الرسول حاكماً بين النّاس كما في قوله تعالى: [إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه] (النساء:105). وقوله تعالى: [وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه ولا تتَّبع أهواءهم] (المائدة:49) [والنُّبوَّة] وهي الرسالة التي أراد اللّه منه أن يحملها للنّاس ليبلغهم كلمات اللّه وتعاليمه وآياته [ثُمَّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون اللّه] لأنَّ اللّه يختار هؤلاء البشر من الصفوة الطيبة الخالصة من بين النّاس، بحيث يعيشون التوحيد في كلِّ وجودهم، حتّى يتحوّل إلى عنوان للذات في الفكر والعاطفة والحركة والحياة كلّها، فلا مكان لغير التوحيد في ذواتهم، وينطلقون من قاعدة الصدق في التزاماتهم بالحقّ، في إحساسهم به في أنفسهم ومع اللّه ومع النّاس، فهم الصادقون مع أنفسهم وربِّهم والنّاس من حولهم، فلا يتحدّثون عن اللّه إلاَّ بما بلغهم إياه، ولا يبلغونهم إلاَّ ما أوحى به إليهم من دون زيادة ولا نقصان ولا تحريف، فلا يمكن ـ والحال هذه ـ أن يستغرقوا في عبادتهم لأنفسهم بحيثُ ينحرفون في التصوّر ليبتعدوا عن الإحساس بعبوديتهم للّه وربوبيّته لهم، فيطلبون من النّاس أن يعبدوهم من دون اللّه، كما هو الحال عند بعض النّاس الذين ينطلقون في البداية من موقع الإصلاح ورسالة تغيير الواقع على أساس الحقّ، ثُمَّ يكبر موقعهم، وترتفع درجتهم في الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة أو غير ذلك، وتتضخم شخصيتهم عند النّاس وعند أنفسهم؛ فيتصوّرون أنفسهم أرباباً من دون اللّه، فيدعون النّاس إلى عبادة ذواتهم بدلاً من اللّه.
إنَّ الأنبياء لا يفعلون ذلك، بل لا يفكّرون في ذلك، لأنَّهم المعصومون عن الخطأ والانحراف من خلال المستوى الأرفع للإيمان والطهارة والعصمة، ما يجعلهم بشراً يرتفعون بملكاتهم الروحية العملية عن البشر. وهذا ما حدّثنا اللّه به في حواره مع عيسى(ع) ـ يوم القيامة ـ حول العقيدة التي حملها بعض النصارى في اعتبار عيسى (ع) ربّاً، وفي التعبّد لأمّه مريـم (ع)، كما لو كانت في موقع الألوهية، وذلك هو قوله تعالى: [وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريـم أأنت قلت للنّاس اتَّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍّ إن كنت قلتُهُ فقد علمتَهُ تعلَمُ ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنَّك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلاَّ ما أمرتني به أن اعبدوا اللّه ربِّي وربَّكُم وكنتُ عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم فلمَّا توفَّيتني كُنتَ أنتَ الرقيبَ عليهم وأنت على كلِّ شيءٍ شهيدٌ] (المائدة:116ـ117).
فنحن نلاحظ في هاتين الآيتين، أنَّ عيسى (ع) يؤكّد أنَّ دعوة النّاس إلى عبادة ذاته ليس من حقِّه، لأنَّه عبد اللّه الذي هو ربّه وربّهم، وهو لـم يفعل ذلك، بل كان منطقه منطق الرسول الذي يدعو النّاس إلى عبادة اللّه بمقتضى أمره له بذلك. وهذا هو التعبير الحي عمّا توحي به هذه الآية، فلا يُمكن لأيّ نبيّ أن يتحدّث بذلك فيدعو إلى نفسه، بل إنَّ حديثه أن يقول لهم: [ولكن كونوا ربَّانيين] المنتسبين إلى الرّب في انفتاحهم على الإيمان به، وعلى العلم المستمد من رسالاته، وعلى الالتزام به بعبادته وتعاليمه من خلال الوعي للحقّ في كلّ بنيانهم الفكري والروحي، وربَّما أُريد من الكلمة أن يكونوا العلماء أو الحكماء أو الفقهاء الذين يربون النّاس ويدبرونهم بما فيه صلاح أمرهم من خلال دعوتهم إلى الأخذ برسالة اللّه في ثقافتهم وفي عملهم وسلوكهم الخاص والعام [بما كنتم تُعلِّمون الكتاب] الذي أنزله اللّه على رسوله وتبيّنونه للنّاس وتقدّمون لهم حقائقه [وبما كنتم تدرسُون] أسراره ومفاهيمه من خلال ما يبيّنه أمر عيسى أنَّه عبد اللّه ورسوله وروح منه وكلمته ألقاها إلى مريـم، وأرسله إلى النّاس ليبيّن لهم ما اختلفوا فيه من الكتاب الذي أنزله اللّه على موسى (ع)، فتفرّق النّاس من بني إسرائيل في تفاصيله؛ وليحلّ لهم بعض الذي حرّم عليهم، وليتحرّك بهم في خطّ التغيير الرساليّ للحياة لتكون على الصورة التي يرضاها اللّه وليكونوا أنصاره إلى اللّه في الرحلة الطويلة التي تمثِّل مرحلة من مراحل مسيرة الأنبياء في مدى الحياة. [ولا يأمُرَكُم أن تتَّخذوا الملائكة والنَّبيين أرباباً] معطوف على قوله: [ثُمَّ يقول] على قراءة النصب، فلا يمكن للنبيّ الذي أرسله اللّه أن يأمر باتخاذ الملائكة أرباباً كما نُسب إلى بعض النّاس، أو يدعو إلى اتخاذ النَّبيين أرباباً كما هو الحديث عن أنَّ عُزير هو ابن اللّه أو أنَّ المسيح هو اللّه أو ابن اللّه [أيأمُرُكم بالكُفر] المتمثّل بالدعوة إلى عبادة غير اللّه [بعد إذ أنتم مُسلِمُونَ] مما تقودكم إليه الفطرة التي تفتح عقولكم وقلوبكم على توحيد اللّه، فيقف بينكم وبين فطرتكم حاجزاً يُبعدكم عن الإسلام التوحيدي الذين هو دين اللّه في جميع رسالاته؛ فإنَّ اللّه لا يبعث من ينحرف بالنّاس عن فطرتهم التي فطر النّاس عليها، بل يبعث من يقوّيها ويدعمها ويحرّك فيها كلّ المفردات التي تجعل الإنسان مستقيماً على درب التوحيد في فكره وعمله.
* * *
الفكرة في خطّ التربية الإسلامية:
وقد نحتاج إلى استيحاء هذا الأسلوب التربوي في دراستنا وأبحاثنا التي ندرس فيها حياة الأنبياء والأئمة والأولياء، فنستغرق في الجوانب العملية من حركة الإسلام في حياتهم الشخصية والعامّة، لنبقى في خطّ الارتباط بالشخص من خلال الفكرة والرسالة والعمل، فيزيدنا ذلك ارتباطاً بالخطّ الصحيح، وابتعاداً عن مواطن الخطأ والضلال في الطريق، ولا نستغرق في الأسرار الخفيّة الغامضة التي يُثيرها البعض في حديثه عن هذه الشخصية أو تلك ممن نعظّم من شخصيات الأنبياء والأولياء، لأنَّ الاستغراق في الجوانب الضبابية الغامضة التي لا نستطيع فهمها ولا تعقّلها، قد يؤدّي بنا إلى الانحراف في التصوّر أو الوصول إلى درجة الغلوّ...
إنَّ القضية ليست في واقعية هذه الصفات الممنوحة لهذه الشخصية أو تلك أو عدم واقعيتها، ليتجه الحديث إلى إثبات صحة ذلك بالرِّوايات الصحيحة أو غير الصحيحة في عمليّة نقاش علمي طويل، بل القضية هي أنَّ ذلك الأمر ليس من ضرورات العقيدة ولا من فروض العمل، فلماذا نكلّف أنفسنا الجهد والتعب في الدخول في أبحاث ليس لها قيمة عقيدية أو عملية، بل قد تؤدّي ـ في بعض الحالات ـ إلى ما يشبه عبادة الشخصية إذا لـم تؤد إلى الغلو المفرط؟ عصمنا اللّه من الزلل، ووقانا شرّ الانحراف عن الخطّ الإسلامي في العقيدة والعمل.
ــــــــــــــــــــ
(1) مجمع البيان، ج:2، ص:781ـ782.
(2) مفردات الراغب، ص:169.
(3) أسباب النـزول، ص:62.
تفسير القرآن