من الآية 84 الى الآية 85
الآيتـان
{قل آمنا باللّه وما أُنْزِلَ علينا وما أُنْزِلَ على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنَّبيُّون من ربِّـهم لا نُفرِّق بين أحدٍ منهم وَنَحنُ له مُسْلِمُونَ * ومن يبتغِ غير الإسلام دينـاً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (84ـ85).
* * *
لا تفريق بين الرّسل:
في الآية الأولى، تأكيد على مبدأ وحدة الرسالات ووحدة الرّسل في قضية الإيمان في صلب العقيدة الإسلامية، لأنَّ ذلك هو معنى الإسلام للّه، من خلال ما تعنيه كلمة الإسلام، وذلك لأنَّ إنكار أيّ نبيّ أو أيّ كتاب من كتب الأنبياء يعني إنكار حقيقة ثابتة من عند اللّه، ما يؤدّي إلى أن يكون التمرّد هو طابع الإنسان المنكر أمام اللّه، فلا مجال للتفريق بينهم في الإيمان على أساس العصبيّة التي لا تستند إلى أساس من حقيقة، بل ترجع إلى نوازع ذاتية مرضيّة معقّدة، وذلك ليس شأن المسلم.
وذلك قوله تعالى: [قُل] يا محمَّد لكلّ هؤلاء الذين يثيرون الخلافات في الأنبياء ليفرّقوا في الإيمان بين نبيّ ونبيّ، فيلتزمون بنبوّة شخص وينكرون نبوّة آخر، في الوقت الذي يفرض الإيمان بالسابق الإيمان باللاحق من خلال بشارته به، وتصديق الآخر له، قل لهؤلاء إنَّ الإيمان الذي تدعو إليه هو الإيمان الشامل الذي يرتكز على الحجّة الشاملة للجميع، [آمنَّا باللّه وما أنزل علينا] من الكتاب [وما أنزل على إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط] الذين يلتزمون الوحي الإلهي النازل على إبراهيم في الصحف المنـزلة عليه [وما أوتي موسى] في التوراة، [وعيسى] في الإنجيل، [والنَّبيُّون من ربِّهم] كما في زبور داود، [لا نفرّق بين أحدٍ منهم] فهم ـ جميعاً ـ رسل اللّه في معنى إيماننا [ونحن له مسلمون] بكلّ عقولنا وقلوبنا وإرادتنا وحركتنا، ولذلك فإنَّنا نؤمن بالكتاب كلّه، فلا عقدة عندنا من أيّ نبيّ من أنبياء اللّه، ولا مشكلة عندنا في أيّ كتابٍ من كتبه المنـزلة. والعنوان الكبير الذي يجمع إيمان الرسالات في وجدان إنساني واحد، هو الانفتاح على اللّه بكلِّ الذات الإنسانية، فلا تنغلق عنه في معنى العقيدة والشريعة والمنهج والحركة والحياة، بل تلتزمه في ذلك كلّه، فهذا هو الدين الواحد المتنوّع الأبعاد.
* * *
الإسلام للّه دين إنسانيّ:
أمّا الآية الثانية، فإنَّها تدعو إلى أن يكون الإسلام للّه هو الدين الذي يرتضيه الإنسان لنفسه، ليتحقّق له من خلال ذلك الانقياد لأوامر اللّه ونواهيه، والخضوع لرسالات اللّه التي أرسل بها رسله. فمن لـم يتخذ لنفسه ذلك الخطّ... [ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه]، لأنَّ اللّه لا يقبل من الإنسان أن يختار لنفسه ما يشتهي ويريد في ما يقبل ويرفض، فلا قيمة لقبوله حقيقة على حساب رفض حقيقة أخرى، كما هو شأن الذين آمنوا بموسى (ع) ورفضوا الإيمان بعيسى ومحمَّد (ع)، وكما هو شأن النصارى الذين آمنوا بموسى وعيسى (ع) ورفضوا الإيمان بمحمَّد (ص)... [وهو في الآخرة من الخاسرين] الذين لـم يأخذوا بأسباب الربح في قضية المصير، فوقعوا في قبضة الخسارة الدائمة في العذاب الأليم.
* * *
الأسلوب الواقعي في وحدة الديانات:
وقد يكون من الضروري لنا أن لا نستغرق في المجالات في طرح الحقائق الدينية في حركة العقيدة، كما يفعل البعض عندما يطرحون وحدة الديانات لتبرير الانحراف البارز في بعض الرسالات، ولتمييع المواقف الفكرية التي تريد أن تضع القضايا في مواقعها الحقيقية؛ بل الأولى بنا أن نطرح الموضوع من خلال الأسلوب القرآني الذي يجمع للإنسان الإيمان كلّه في مستوى الرسالات المترابطة التي لا تنفصل حقائقها ولا تختلف إلاَّ بحسب اختلاف طبيعة المرحلة، وفي مستوى الرسل الذين يصدق بعضهم ببعض، ويدعو كلّ واحدٍ منهم أمته للإيمان بالبعض الآخر وعدم التفريق بينه وبينهم... فذلك هو ما نؤمن به وندعو له، وندفع الحوار نحو الوصول للقناعة المشتركة على أساس ذلك. وفي هذا المجال نتطلّع إلى معنى الإسلام بمعناه العام والخاص، فنجد أنَّهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض في حركة رسالة النبيّ محمَّد، لأنَّ الإسلام بمعناه العام يريد للنّاس أن يخضعوا للحقائق الثابتة التي تقف في طليعتها رسالة النبيّ محمَّد (ص)، فلا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً ثُمَّ ينكر هذه الحقيقة الثابتة من قريبٍ أو بعيد.
تفسير القرآن