تفسير القرآن
آل عمران / من الآية 100 إلى الآية 101

 من الآية 100 الى الآية 101

الآيتـان

{يا أيُّها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوُّكُم بعد إيمانكم كافرين * وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آياتُ اللّه وفيكم رسولُهُ ومن يعتصم باللّه فقد هُديَ إلى صراطٍ مستقيم} (100ـ101).

* * *

معاني المفردات:

[تطيعوا]: الطاعة: موافقة الإرادة الجاذبة للفعل بالترغيب فيه، والإجابة: موافقة الإرادة الداعية إلى الفعل، ولذلك يجوز أن يكون اللّه مجيباً إلى عبده إذا فعل ما دعا العبد به، ولـم يجز أن يكون مطيعاً له.

[يعتصم]: يتمسك بقوّة بكلّ ما شرّعه اللّه سبحانه بعيداً عن الشكوك والأهواء، ويمتنع باللّه عمّن سواه. والعصم: الإِمساك، والاعتصام: الاستمساك، والعصمة: هي المنع والحفظ والتوقّي.

* * *

مناسبة النزول:

وقد تحدّثت كتب التفسير أنَّ لهذه الآيات قصة انطلقت منها، في أسباب النـزول، فقد جاء في أسباب النـزول للنيسابوري عن زيد بن أسلم، قال: «مَرَّ شاس بن قيس اليهودي، وكان شيخاً قد غَبَر في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، فمرّ على نفرٍ من أصحاب رسول اللّه من الأوس والخزرج في مجلسٍ جمعهم يتحدّثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وإلفتِهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع ملأُ بني قيلة بهذه البلاد، لا واللّه ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار. فأمر شاباً من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثُمَّ ذكرهم «بعاث» وما كان فيه، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان «بعاث» يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل، فتكلّم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا حتّى تواثب رجلان من الحيّين: أوس بن قيظي، أحد بني حارثة من الأوس، وجابر بن صخر، أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، وقال أحدهما لصاحبه: إن شئت رددتها جذعاً، وغضب الفريقان جميعاً، وقالا: ارجعا، السّلاح السّلاح، موعدكم الظاهرة وهي حَرّة. فخرجوا إليها، فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ رسول اللّه، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتّى جاءهم، فقال: يا معشر المسلمين، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم اللّه بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألّف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفّاراً، اللّه اللّه. فعرف القوم أنَّها نزغة من الشّيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السّلاح من أيديهم، وبكوا، وعانق بعضهم بعضاً، ثُمَّ انصرفوا مع رسول اللّه سامعين مطيعين. فأنزل اللّه عزَّ وجلّ: [يا أيُّها الذين آمنوا] يعني الأوس والخزرج، [إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب] يعني شاساً وأصحابه، [يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين]»[1].

لعلّ جوّ الآية يوحي بوجود حادث من هذا القبيل، عاش فيه المسلمون حالة استسلام لبعض أساليب الإثارة من قبل اليهود، مما كاد أن يُحطّم وحدتهم الجديدة في نصاب أخوّة الإسلام الحقّ، فيُثير في داخلهم عصبية الجاهلية التي تذكي في داخلهم روح العداوة والبغضاء، وتعيدهم إلى أجواء الكفر التي يستسلم فيها الإنسان إلى الدوافع الشريرة من الحقد والبغض، بعيداً عن الدوافع الخيّرة من المحبّة والتسامح، وقد لا يكون في هذا الحادث ما يوحي بالكفر، بل هو مجرّد انحراف عن الخطّ، ولكن خطورة القضية تتمثّل في هذا الاستسلام الساذج لأساليب اليهود، فإنَّه قد يغريهم بالتقدّم في خطوات جديدة في عمليات تضليل في العقيدة إلى جانب التضليل في العمل، فتكون النتيجة ردّة إلى الكفر بعد الإيمان، وتلك هي الخسارة الكبرى التي ينبغي أن يتفاداها المسلمون بالمزيد من الوعي والتفكير في ما يحيط بهم من أجواء الكفر والكافرين، وفي ما يسمعونه من آيات اللّه التي تفتح قلوبهم على الحقّ، وعيونهم على الواقع، ومسيرتهم على الصراط المستقيم، فإذا اشتبه عليهم شيء من شؤون الكفر والعمل، فإنَّ رسول اللّه (ص) يعيش بينهم، يُحاورهم ويُحاورونه، ويُشاورهم ويُشاورونه من غير ضيق أو تكلّف، بل هي البساطة والعفوية التي تنساب فيها الحقيقة انسياب النور في الضحى، فكيف يمكن لهم أن يكفروا مع كلّ هذه الأجواء والدلائل والبيّنات، التي تُبعدهم عن خطّ الضياع والقلق الروحي والعملي، لأنَّها تربطهم باللّه الذي يعتصم به عباده في حالات الاهتزاز والضياع، فيقودهم في هدايته إلى صراطٍ مستقيم؟!

ويذهب صاحب تفسير الميزان إلى أنَّ هاتين الآيتين واردتان في سياق التحذير للمؤمنين أن يطيعوا اليهود في ما يدعون إليه فيكفرون بالدين، وترغيب وتحريض لهم أن يعتصموا باللّه فيهتدون إلى صراط الإيمان وتدوم هدايتهم. ويرى أنَّ الآيات أقرب انطباقاً على ما ذكره منها على الرِّواية كما هو ظاهر، وبذلك تكون الآيات متممة لسابقتها[2].

ولكن الظاهر من سياق الآيات المتأخرة الآتية التي تعيش في أجواء هاتين الآيتين أنَّ هناك شيئاً من الجوّ الذي ذكرته الرِّواية في ما قام به اليهود في واقع المسلمين، ما يدفع بالحياة الإسلامية إلى الحقد والعداوة والبغضاء، ويؤدّي بالنتيجة إلى الكفر، من خلال الاستسلام لمخططاتهم. وبذلك لا تبتعد الآية عن الرِّواية كما لا تبتعد عن الآيات السابقة التي عرضت بعض النماذج لأساليب أهل الكتاب في التضليل.

* * *

خطورة المشاعر الساذجة أمام مخطّطات الأعداء:

في هاتين الآيتين بداية الحديث مع المؤمنين بأن يكونوا واعين للمخططات التي يرسمها أهل الكتاب من أجل إضلال المسلمين عن دينهم الحقّ، وذلك بإثارة الرواسب القديمة الكامنة في الأعماق، التي استطاع الإسلام تجميدها في خطّةٍ طويلة لإزالتها نهائياً من النفوس، وذلك بتأكيد الإيمان في قلوبهم ومشاعرهم وخطواتهم العملية في الحياة، بحيثُ يتحوّل إلى جزءٍ من الذات، بدلاً من أن يكون فكرةً ساذجة كامنة في بعض جوانبها... فإذا أغفل المسلمون جانب الحذر، واستسلموا لمشاعرهم الساذجة، وشعروا بالأمن في حركات الكافرين من حولهم، أمكن لأولئك أن يجرّوهم إلى الوقوع في قبضة التاريخ الجاهلي من جديد، فتتحرّك الرواسب وتطفو على سطح الفكر والشعور، وتتحوّل إلى ممارساتٍ خبيثةٍ تذكي نار العصبية، وتطفئ نور الإيمان في القلوب، وتقود الأفراد والجماعات إلى حربٍ تقوم على أساس العائلة الضيّقة، ويُصبح الإسلام مجرّد حالةٍ طارئة لا تمثِّل أيّة قوّة ضابطةٍ أو محرّكةٍ في الاتجاه السليم...

وربَّما نجد الكثير من نماذج هذا اليهودي في الواقع الذي يعيشه المسلمون، في ما يريد الكافرون والضالون أن يثيروه بين المسلمين من الخلافات القائمة على العصبية العائلية والقومية والإقليمية والمذهبية، فيعملون على استثارة كلّ عناصر الإثارة في الماضي والحاضر من أجل خلق حالةٍ نفسية متوترة، توحي بالحقد، وتنذر بالشر، وتقود إلى التصادم والتنازع في خطّةٍ خبيثةٍ تؤدي إلى الكارثة من خلال ما تؤدي إليه من التمزّق والتفرّق والوصول إلى مواقع الخطر على عزتهم وكرامتهم وأصالتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية...

وفي هذا الجوّ تتحرّك الآية لتفتح عيون المسلمين في كلّ زمانٍ ومكان على أن يحدّدوا أعداءهم في العقيدة وفي السياسة وفي الحياة كلّها... ويتعرّفوا طبيعة مخططاتهم في جانبي العمق والامتداد، وطبيعة الظروف الموضوعية المتحرّكة على الساحة ونوعية القوى المحيطة بهم، إلى جانب معرفتهم بالأسس التي تحميهم من كلّ هذه المخططات، وذلك بالتأكيد على نقاط القوّة لتنميتها وتحريكها في خطّ المواجهة الصعبة، ودراسة نقاط الضعف ومحاولة السيطرة عليها وتحويلها من موقع المعاناة إلى نقاط قوّة، سواء كانت تلك النقاط فكرية أو شعورية أو عملية... ولا بُدَّ في سبيل الوصول إلى ذلك من الارتفاع في كلّ زمن إلى مستوى المرحلة التاريخية للأمّة، التي تفرض علينا التحرّك في خطّ الوعي الذي يرصد القوى المختلفة لئلا يختلط علينا خطّ الأعداء بخطّ الأصدقاء، على أساس انفعالٍ طارئ أو مشاعر حادة أو نظرة خاطئة في تقييم الواقع والنّاس.

وقد نستوحي من هاتين الآيتين أنَّ على المسلمين أن يعيشوا حالة عالية من الوعي المتقدّم للأجواء المضادّة المحيطة بهم في مجتمعات الكفر والضلال، وأن يدرسوا الأساليب المعقَّدة التي يتبعها دعاة الكفر والضلال في تفتيت القوّة الإسلامية بما يثيرونه من رواسب التاريخ وخلافاته، وفي تضليل المسيرة الإسلامية وإبعادها عن الخطّ المستقيم، ليستطيعوا، من خلال ذلك، الانفتاح على القواعد الثابتة التي تحفظ لهم وحدتهم، وتصون لهم دينهم الحقّ عندما يعرفون سبيل الاعتصام باللّه الذي يهديهم إلى الصراط المستقيم. وبذلك نعرف أنَّ السذاجة الفكرية والبساطة العملية اللتين تدفعان المسلم إلى الاستسلام لخطط العدوّ من خلال الغفلة عن طبيعته، ليستا من خُلق المسلم الذي يريده الإسلام واعياً للحقّ والفكر والطريق والمجتمع الذي من حوله في كلّ ما لديه من سلبيات وإيجابيات.

* * *

لا تطيعوا الكافرين:

في ضوء هذا الجوّ نتابع هذه الآيات، فإنَّ الآية الأولى تدعو المؤمنين إلى الامتناع عن طاعة فريقٍ من الذين أوتوا الكتاب، وهو الفريق الحاقد الذي يتحرّك ويقف في خطّ المواجهة للإسلام من أجل إبعاد المسلمين عن دينهم وتحطيم قوّتهم، وذلك بمختلف الأساليب المتلوّنة التي تلجأ إلى الإسرار تارةً، وإلى الإعلان أخرى، تبعاً للظروف الموضوعية الثابتة أو الطارئة، فلا بُدَّ للمسلمين من الانتباه إليه ليستطيعوا حماية أنفسهم منه، فإنَّ السير مع حالة الغفلة والاسترسال التي تدفعهم إلى الاندماج بالجوّ الحميم الذي يتظاهر به هذا الفريق أو ذاك يؤدي إلى الوقوع في قبضة نواياهم الشريرة، وينتهي ـ بالتالي ـ إلى الخروج من الدين والسير في خطّ الكفر، لأنَّ ذلك هو النتيجة الطبيعية لحركة تلك المخططات الشريرة، فإنَّ الهدف الكبير لهم هو إخراج الإسلام عن خطّ الحياة بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، وتجميده في حركة التاريخ من خلال تجميده في نفوس أتباعه.

[يا أيُّها الذين آمنوا] باللّه ورسوله، فعاش الإيمان في وجدانهم فكراً وعقيدة ومفاهيم منفتحة على اللّه والإنسان والكون والحياة، وتَحرَّك في قلوبهم عاطفة متصلة بالمشاعر الروحية الخيّرة في حركتها في الجانب الإنساني من علاقة الإنسان المسلم بالآخرين، وانطلق في سلوكهم حركةً مستقيمةً في خطّ القيم الروحية الإنسانية على صعيد الواقع العملي في الدائرة الأخلاقية العامّة [إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب] وهو الفريق الحاقد المعقّد، الذي يُلاحق تطوّر الدعوة الإسلامية في اتجاه الشمولية للساحة بالعمل على تخريب كلّ الأوضاع، وتعقيد كلّ الأعمال، وإثارة كلّ المشاكل في وجه الإسلام وأهله، ما يجعل من استجابتكم له وإطاعتكم لتوجيهاته ونصائحه، استجابةً للضلال والانحراف الذي يجرّكم إلى الابتعاد عن الصراط المستقيم، لأنَّ كلّ هدفهم في كلّ مخططاتهم أن [يردُّوكُم بعد إيمانكم كافرين] ليضعفوا الإسلام بخروج المؤمنين به من الانتماء إليه، ولينفّسوا عن عقدتهم الذاتية تجاهكم، وإن كانوا لا يواجهونكم بالدعوة إلى الكفر في البداية بشكلٍ مباشر، بل يطرحون أمامكم بعض القضايا الجانبية التي تدخل في عداد الأمور المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية والعصبيات العائلية، ما يجعلكم تأمنون الخطر على إيمانكم في البداية، فإنَّ عليكم أن تعرفوا أنَّ ذلك يمثِّل الخطّة الدقيقة التي تتدرج في خطوطها لتأخذكم على حين غرّة، لتصل بكم في نهاية الأمر إلى الوقوع في حبائلهم والسقوط في مخططاتهم في انحرافكم عن خطّ الإيمان إلى الكفر.

ثُمَّ تأتي الآية الثانية لتثير الإنكار في صيغة الاستفهام فتتساءل: [وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آياتُ اللّه وفيكم رسولُهُ] لتوجه المؤمنين إلى عدم الانفصال عن القرآن في مفاهيمه ودلائله وبراهينه وخططه للحياة، وعدم الابتعاد عن الارتباط بقيادتهم الرسالية الواعية التي تفتح لهم أبواب الإيمان في ما تفتح لهم من أبواب العلم باللّه وبرسالته وشرائعه، فإنَّ ذلك هو السبيل إلى الثبات على المبدأ، والشعور بقوّة المواقف وأصالتها.

* * *

من وحي الآية:

وإذا أردنا أن نستوحي الفكرة العامّة من هذه الفقرة من الآية، فإنَّنا نستطيع تلخيص ذلك في نقطتين، تمثّلان القاعدة الثابتة الأصيلة في وسيلة المحافظة على تماسك الأمّة في عقيدتها أمام مخططات الأعداء، وهما: الارتباط بالفكرة من خلال مصادرها النقية الأصيلة، والارتباط بالقيادة المخلصة الرسالية في تخطيطها العملي لحركة الفكرة للحياة، لأنَّ الفكرة وحدها لا تستطيع حماية مسيرتها من الانزلاق والانحراف بدون قيادة تحرّك الفكرة في الخطّ السليم، كما أنَّ القيادة لا تستطيع القيام بدورها الأصيل إذا لـم تكن القاعدة سائرة في خطّ الفكرة ومؤمنة بقيمتها الفكرية والروحية في الطريق الطويل.

وقد نستوحي منها، أنَّ على الإنسان المسلم أن يلجأ إلى آيات اللّه ليستنطقها في عملية تحليلٍ لكلّ ما يُعرض عليه من دعوات وأفكار يجد فيها الهدى كلّ الهدى، والوعي كلّ الوعي، وأن يرجع إلى حياة رسول اللّه (ص) وسنته ليعيش معه الروح المنفتحة على النّاس في محبّة ممزوجة بالحذر، وفي وعي نابض بالحياة، وفي حياة متحرّكة في أكثر من اتجاه على أساسٍ من وضوح الرؤية لفكر الإنسان وواقعه في خطّ العقيدة والعمل، فإنَّ ذلك هو السبيل للاعتصام باللّه والسير على هداه.

* * *

الاعتصام بحبل اللّه:

[ومن يعتصم باللّه] بالتمسك بكتابه ورسوله ورسالته، والانفتاح عليه بالإخلاص والتَّقوى والاستقامة في خطّ اللّه، والوقوف بقوّة في مواجهة التحدّيات الكبرى التي تتحدّى قضايا المصير من أجل ردّ التحدّيات بمثلها وإطلاق التحدّي في وجه الكفر والاستكبار، وهو الموقف الذي يفرضه الانتماء إلى الإسلام في الفكر والعمل، [فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم] لأنَّ اللّه هو الحقّ وما يدعون من دونه الباطل، ولذلك فإنَّ الاعتصام به هو اعتصام بالخطّ المستقيم الذي يحفظ للإنسان دنياه وآخرته، ويقوده إلى النجاة في نعيم اللّه ورضوانه.

وربَّما نحتاج إلى التوقف عند كلمة الاعتصام باللّه، وعلاقته بالاهتداء إلى الصراط المستقيم، فإنَّ الاعتصام باللّه يشير إلى التمسك بكلّ المفاهيم التي أوحاها إلى رسوله (ص) والسير مع كلّ الشرائع التي شرّعها للنّاس على لسانه، والتحرّك نحو كلّ الأهداف الكبيرة في الحياة التي أراد للإنسان أن يسير عليها من خلال وسائله الطاهرة النظيفة، وبذلك تستقيم للإنسان الرؤية الواضحة والمنهج المحدّد، والهدف الكبير الذي يبدأ من اللّه وينتهي إليه، فلا يبقى لديه أيّ شك أو ريب أو انحراف، بل هو الطريق المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه ولا التواء. وفي هذا الجوّ نفهم أنَّ الاعتصام باللّه ليس كلمةً تُقال، ولكنَّه فكرٌ وخطٌّ وموقفٌ وهدفٌ يحكم حياة الإنسان في مجالاتها الفكرية والعملية؛ فإنَّ الإنسان الذي لا يعتصم باللّه يبقى عُرضةً للانحراف مع الخطوط المتنوّعة للأهواء المختلفة التي يثيرها الشَّيطان وجنوده في قلب الإنسان.

ــــــــــــــــــــ

(1) أسباب النزول، ص:64ـ65.

(2) انظر: تفسير الميزان، ج:3، ص:416.