تفسير القرآن
آل عمران / الآية 160

 الآية 160

الآيــة

{إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصُرُكُم من بعده وعلى اللّه فليتوكَّل المؤمنون} (160).

* * *

النصر من عند اللّه:

[إن ينصركم اللّه] بتأييده ورعايته ولطفه من خلال ما يوفره لكم من الأسباب الخفية، بالإضافة إلى الأسباب التي تأخذون بها مما يرتبط بالنتائج الطبيعية للنصر في نطاق النظام الكوني والإنساني في سنن اللّه في الحياة، فإنَّ اللّه إذا رأى عباده المؤمنين منفتحين على مواقع محبته ورضاه، آخذين بمواقع إرادته في حركة سننه لديهم، فلا بُدَّ له من أن يمنحهم نصره بطريقةٍ أو بأخرى، فلا مجال لأية هزيمة في ساحتهم، فإذا انطلقتم في هذا الاتجاه [فلا غالب لكم] لأنَّ اللّه لا يُغلب في إرادته مهما كانت الأمور والأوضاع.

[وإن يخذلكم] لأنَّكم ابتعدتـم عن الطاعة لأوامره ونواهيه وفقدتـم الإحساس بالوحدة الإيمانية بينكم، ورفضتم السير على وفق حركة الأسباب في وجودكم [فمن ذا الذي ينصركم من بعده] من كلّ هؤلاء الذين يملكون القوّة ممن يستعين بهم النَّاس على تحقيق الانتصار في ساحة الحرب أو الوصول إلى الأهداف في مواقع التحدّي، فهو وحده الذي لا بُدَّ للمؤمنين من أن يلجأوا إليه ويستعينوا به ويتوكلوا عليه، ليحصلوا على النتائج الكبرى، فلا ملجأ إلاَّ إليه، ولا استعانة إلاَّ به، ولا توكل إلاَّ عليه، [وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون] فهو نعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.

* * *

قوّة إلهية مطلقة مهيمنة:

ويعود القرآن إلى المعركة من جديد، ليقرّر للمؤمنين الحقيقة الإيمانيّة التي ينبغي لهم أن يتمثّلوها في أعماقهم في كلّ معركة من معاركهم، وهي أنَّ اللّه هو القوّة المطلقة المهيمنة على الحياة في كلّ ما تشتمل عليه من انتصارات وهزائم، فهو من وراء ذلك كلّه، فإذا شاءت إرادته لهم النصر فلن تستطيع كلّ قوى الأرض أن تغلبهم وتهزمهم، لأنَّه الذي يملك الأسباب العادية وغير العادية للأشياء، فإذا تحرّكت أسباب النصر من خلاله، فكيف يمكن للآخرين أن ينتصروا من دون سبب؟! وإذا شاءت إرادته الخذلان لهم، لأنَّهم انحرفوا عن الخطّ المستقيم الذي يسير بهم نحو النصر واعتمدوا على أنفسهم وعلى الآخرين بعيداً عن اللّه، فأدّى ذلك إلى أن يفقدوا لطف اللّه ورحمته ورعايته، فمن هذا الذي يملك أسباب النصر من بعد اللّه ليحقّقوه من خلاله، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلاَّ بإذن اللّه، فكيف يملكه للآخرين؟!

وفي هذا الجوّ الإيماني المتحرّك في خطّ الواقع في ما يريده اللّه للإنسان من خلال سنته في الكون، تنطلق الدعوة للتوكل على اللّه في حياة المؤمنين ليستمدوا منه القوّة، وليشعروا بالثقة من عنده، فإنَّه لا مجال للقوّة إلاَّ منه، ولا للثقة إلاَّ به.