تفسير القرآن
آل عمران / الآية 184

 الآية 184

الآيــة

{فإن كذَّبُوكَ فقد كُذِّبَ رُسُلٌ من قبلك جاءوا بالبيِّنات والزُّبُرِ والكتابِ المنير} (184).

* * *

معاني المفردات:

[الزُّبُرِ]: الكتب السَّماوية، وكلّ كتاب فيه حكمة فهو زبور، تقول: زبرت الكتاب: إذا كتبته، وزبرت الرّجل إذا زجرته، والزُّبرة: مجتمع الشعر على كتف الأسد، وزَبَرت البئر: إذا أحكمت طيّها بالحجارة فهي مزبورة، والزِّبر: العقل، وإنَّما جمع بين الزبر والكتاب، ومعناهما واحد، لأنَّ أصلهما يختلف، هو كتاب بضمّ حروف بعضها إلى بعض، وزبور لما فيه من الزجر على خلاف الحقّ، وإنَّما سمّي كتاب داود زبوراً لكثرة ما فيه من المواعظ والزواجر ـ كما في مجمع البيان ـ [1].

التفاتة قرآنية:

وفي هذه الآية التفات إلى الرَّسول، في ما كان يواجهه من تكذيبهم له، بأن لا يحزن ولا يتعقّد [فإن كذَّبُوكَ] فليس هو أوّل نبـيّ كذَّبوه، ولا أوّل داعية حقّ وقفوا ضدّه [فقد كُذِّب رُسُلٌ من قبلِكَ] بل هناك القافلة الطويلة من الأنبياء التي واجهت هؤلاء في تاريخهم الطويل، [جاءوا بالبيِّناتِ والزُّبُرِ والكتاب المنيرِ] في ما أنزله اللّه من التوراة والإنجيل والزبور، فكذَّبوه من دون حجّة ولا دليل.

إنَّها الالتفاتة القرآنية التي تتكرر في كلّ آية، لتربط الرَّسول في رسالته بالخطّ الواقعي للعمل الذي يتحرّك بالوعي، من أجل الإيحاء له بأنَّ الرسالة لا بُدَّ لها من أن تُعاني في الحاضر ما عانته الرسالات في الماضي من مشاكل وتحدِّيات؛ ومهما كثرت المشاكل وكبُرت التحدِّيات، فإنَّها لن تستطيع أن تهزم الرسالة، بل سيزيدها ذلك قوّة وامتداداً وعمقاً في داخل النفس الإنسانية، لأنَّ التجربة تزداد عمقاً كلّما تنوّعت الآفاق التي تتحرّك من حولها، والمشاكل التي تعصف في داخلها، ما يجعل من قضية مواصلة التجربة قضية الحياة في مداها الطويل.

ــــــــــــــ

(1) مجمع البيان، ج:2، ص:900.