سورة النور المقدمة
سورة النور
مدنية وهي أربع وستون آية
سبب التسمية
لقد جاءت التسمية من خلال الآية الكريمة التي تحدثت ضمن السورة عن نور الله وهي: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ في زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مباركة زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يشاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمثال لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلَيِمٌ}.
إنه الموضوع الذي ينطلق من معناه وإيحاءاته كل إشراق الحياة وطهرها وصفائها الذي تستمدّه من الله، في ما ينفتح قلب الإنسان عليه، وفي ما يهديه الله إليه عبر إبداعاته الحسية والروحيّة..
إنّه الإشراق الخالد الذي ينطلق من ينبوع القدرة المطلقة التي تنير، ومن سرّ العطاء الذي لا يقف عند حدّ، والنور الذي لا ينفد.. ويوحي للإنسان بأنه لن يلتقي بالظلام في عقله وروحه وحياته إذا التقى بالله في وحيه وفي شريعته، وفي ينابيع الإيمان المتدفقة من عقل الرسول ووجدانه.
وفي هذه السورة بعض من نور الشريعة، وبعض من نور الرسول في حركة الحياة وإشراقة الرسالة التي تقف في بدايات الطريق لتقود الناس كلهم إلى خط الحياة النيِّر الذي يربط البداية بالنهاية..
* * *
مضمون السورة
لقد أنزل الله هذه السورة لتكون آياتها دستوراً عملياً للمسلمين في بعض جوانب حياتهم، حيث تحدّثت عن علاقة الرجل بالمرأة، وأكّدت الآية على القاعدة الشرعية التي تحكم تلك العلاقة على أساس تحضير الأجواء التي تمنع الانحراف على هذا المستوى، وتخلق مناعة داخلية، وتواجهه بالردع القانوني الحاسم الذي يدعو إلى عقاب المنحرفين، ويمنع الاتهامات غير المسؤولة، أو الإشاعات الطائشة التي يمكن إرسالها على هذا المستوى ، ويضع حدوداً تفصل بين ما يجوز قوله وما لا يجوز؛ فليس للإنسان الحرية في أن يقول كل ما يعلمه من شؤون الناس أمام الآخرين، بل هناك دائرة خاصة محدّدة تتسع لقول الحقيقة بدقّة ومسؤولية، بهدف تحديد الموقف، لا إثارة الانتباه وتحريك النوازع الذاتية العابثة، ثم تعمل السورة على التذكير بوسائل الوقاية من الجريمة، وتدخل بعد ذلك في تحديد قواعد السلوك الاجتماعي، وأسس التهذيب الأخلاقي في حركة الفرد لجهة احترام وقته وحريته..
وتضمنت السورة بعض اللمحات واللفتات والإيحاءات المتعلقة بتفاصيل العقيدة والانفتاح على الله في حركة الكون، وما في جنباته وآفاقه من نور متدفق، وما يوحي به ذلك كله من النور الإلهي الذي لا يملك الإنسان إلا أن ينفتح عليه لامتداده اللاّنهائي وعمقه اللاّمحدود، وانسيابه الإشراقي في ذروة الصفاء، في كل دفقة نور في أغوار الأرض وفي رحاب السماء.. وفيه تقدم السورة نموذجاً حياً يلامس الروح.
ثم يمتد الحديث إلى بعض ملامح المؤمنين الذين يرتفعون إلى مستوى الإخلاص المتجسّد في العبادة الخالصة لله التي تستغرق كل وجدانهم وحياتهم، وإلى بعض مواقع الكافرين في الدنيا، ومصيرهم المظلم في الآخرة..
وهكذا كانت هذه السورة في برنامجها التربوي التشريعي، وفي إيحاءاتها الروحية الأخلاقية، انطلاقة في حياة الإنسان الحركية، وانفتاحاً على آفاقه الإنسانية، واستغراقاً عميقاً في أغوار الإيمان الباحث أبداً عن الله، في إشراقة الصفاء الروحي المنطلق من النور الإلهيّ الذي يغمر الحياة كلها حباً وخيراً وسلاماً، فيشرق على العقل والروح والقلب والضمير، ويمتد في الحياة، في كل مفرداتها وتفاصيلها، ليكون نور السماوات والأرض الذي لا ينقطع ولا يغيب ولا ينتهي..
تفسير القرآن