من الآية 23 الى الآية 25
الآيــات
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المحصنات الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنـاتِ لُعِنُواْ فِي الدُّنْيَا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (23ـ25).
* * *
قاذفو المحصنات في موقفهم أمام الله
وهذا تأكيد على فظاعة القذف بالزنى في حساب المسؤولية أمام الله، وأثره في إبعاد الإنسان عن رحمة الله، ومواجهته للموقف في يوم القيامة على أساس النتائج السلبية الحاسمة التي لا يستطيع تفاديها، كما لا يتمكن من إنكار ما فعله من أسبابها.
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} اللاتي يعشن العفّة كعنوانٍ عريض لسلوكهن في المجتمع، نتيجة البناء الإيماني الذي تستند شخصيتهن عليه، والعلاقة الزوجية التي يرتبطن بها فتحميهن من نوازع الانحراف، {الْغَافِلاتِ} اللاتي ينطلقن في الحياة من موقع الغفلة عن كل الأحاييل والخطط التي يقف خلفها المنافقون الذين لا يخافون الله في ما يطلقونه من كلماتٍ غير لائقةٍ بالناس، أو في ما يثيرونه من أجواء غير طاهرة.. {الْمُؤْمِناتِ} اللاتي يتحركن في حياتهنّ الفكرية والروحية والشعورية والعملية من قاعدة الإيمان، فتدفعهن إلى الثقة بأفراد المجتمع المؤمن، بأنه لا يتعمد الإساءة إليهن بكلمة أو بعمل، فإن الاعتداء على كرامة هؤلاء المحصنات الغافلات المؤمنات يمثل الظلم كله، لما يختزنه من خلفياتٍ نفسيةٍ خبيثةٍ، ولما يثيره من مشاكل كبيرة معقدة في حياتهم العامة والخاصة، لا سيّما في المجتمع الذي يحاسب المرأة في قضايا الانحراف أكثر مما يحاسب الرجل عنه، لأنه يرى مسؤولية المرأة عن الانحراف أشدّ من مسؤولية الرجل، دون أيّ أساسٍ شرعيٍّ أو واقعي في ذلك كله.. ولهذا فإن الإشاعة الكاذبة قد تترك أثرها تدميراً على سمعتهن يفوق ما تتركه هي نفسها من أثر على سمعة الرجل.
{لُعِنُواْ في الدُّنْيَا والآخرة} بما يمثله اللعن من إبعاد لهم عن الله وعن رحمته ومواقع كرامته، فهم ليسوا من الله في شيءٍ، لأن العلاقة به تعني الالتزام بحدوده في القول والعمل، لأن الناس لا يقربون إلى الله بذواتهم، بل بأعمالهم التي يلتزمون فيها الخط الإلهي في ما يأمر به أو ينهى عنه.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} على ما قاموا به من معصية، وانتهكوه من حرمات الناس، وساهموا فيه من إرباك الحياة الاجتماعية الطاهرة للمجتمع، ما جعل المسألة في مستوى الجريمة الكبرى، على أكثر من صعيد..
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، فلا مجال للإنكار في ذلك اليوم، لأن اللسان سينطق بما قاله من كلمات محرّمة من قذف وكذب وغيبة ونميمة، وستتحدث اليد عما قامت به من سرقة وقتل وجرح ونحوها، وستشهد الأرجل عما سعت إليه من معاصي تحتاج إلى قطع المسافات ونحو ذلك..
* * *
الله هو الحق المبين
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} والمراد بالدين الجزاء العادل الثابت الذي يتطابق مع طبيعة الجريمة التي اقترفوها ضد الناس الأبرياء، أو الذي يتطابق مع طبيعة الطاعة التي أطاعوها دون نقصان أو زيادة..
{وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} فهو الحقيقة المشرقة الثابتة الواضحة التي لا مجال للشك فيها فضلاً عن إنكارها، وهو الذي يؤكد الحق في حسابه للناس كما يؤكده في ما يقرره من حقائق التشريع ومفاهيم العقيدة.. وهناك يعرف الجميع الحق في ذات الله والحق في طبيعة الموقف على مستوى الحساب والمصير.
تفسير القرآن