تفسير القرآن
النور / من الآية 53 إلى الآية 54

 من الآية 53 الى الآية 54

الآيتـان

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَاـنِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البلاغ الْمُبِينُ} (53ـ54).

* * *

الله خبير بطاعة المنافقين الكاذبة

ويتقدم المنافقون إلى رسول الله، وقد شعروا بأن مواقفهم المهتزة بدأت تثير الشك لديه ولدى المسلمين المخلصين في إيمانهم، وبأنهم لم يستطيعوا إخفاء ملامح النفاق في حركتهم العملية في الواقع الإسلامي، وهكذا أرادوا أن يتقدموا إليه ليظهروا وقوفهم في خط الطاعة في الحرب الدائرة بين المسلمين والكافرين، ليحصلوا على الثقة من جديد..

{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} كما يفعل من يشعر في داخله بسوء موقفه، ويحس بإدراك الآخرين لخفاياه، أو بعدم ثقتهم بإخلاصه، فيبادر إلى الأيمان المغلّظة التي يطلقها بمناسبةٍ وغير مناسبةٍ، ليؤكّد صدقه بهذا الأسلوب الحاسم. وهكذا جاءوا وأقسموا الأيمان المغلظة {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} من ديارهم وأموالهم، ولكن الله أراد للرسول أن يصدمهم بقوّة، ويواجههم بالحقيقة الداخلية المظلمة التي تختفي وراء صورتهم المشرقة.. {قُل لاَّ تُقْسِمُواْ } لأنكم مهما أقسمتم، فإن ذلك لن يغير من القناعة بنفاقكم، بل ربما تكون كثرة الأيمان أساساً للشك والاتهام، لأن الإنسان الواثق من صدقه وبراءته يستخدم الأسلوب الطبيعي في إثارة قضيته، ولا يبتدىء إثارتها بتقديم التأكيدات غير العادية، لأنه لا يرى ضرورة لذلك ما دام لا يجد في موقفه أساساً لأيّ شكٍّ أو اتهام.

{طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } أي أن طاعتكم ليست طاعةً حقيقيّةً سببها الالتزام بالرسالة والرسول، بل هي طاعةٌ ظاهريةٌ منطلقةٌ من مواقع الكذب والرياء، غرضها تفادي الإحراج، كي لا ينكشف أمركم لدى الجميع، ولكن أمركم معروف لله الذي يعرف بواطن الأشياء وخفايا الأمور.

وذكر بعض المفسرين أن معناها: قل «لا تقسموا، فالخروج إلى الجهاد طاعة معروفة من الدين، وهو واجب لا حاجة إلى إيجابه بيمين مغلّظ»[1]. وهو خلاف الظاهر من سياق الآيات.

{إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وقد أخبرنا الله عنكم بما فيه الكفاية، ما جعلكم معروفين لنا بكل وضوح.

* * *

إن تطيعوا الله والرسول تهتدوا

{قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ } فهذا هو الخط المستقيم الذي ينبغي لكم ولكل الناس التزامه في كل المواقف والمواقع، وعدم الانحراف عنه قيد شعرة، استناداً إلى قناعة حقيقية في الفكر والروح والشعور، من خلال الإيمان العميق الصافي الواضح، {فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضتم وامتنعتم عن الاستجابة له، وأصررتم على الكفر والنفاق، {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } من مسؤولية التبليغ، فلا بد له من أن يخلص في ذلك ويبذل كل جهده ليوصل الدعوة إلى كل أذن، ويدخلها في كل قلب، ويثيرها في كل مكان.. فإن قام بما يجب عليه فقد قام بمسؤوليته أمام الله، وإن أهمل ذلك فإنه يتحمل نتائج ذلك أمام الله، {وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } من الانقياد والطاعة {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ }، لأن ذلك هو الخط المستقيم الذي يصل بكم إلى الله، وهو غاية الغايات في كل شيء، ولكن مهما كانت مواقفكم منه، فلن تضروه شيئاً.. {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البلاغ الْمُبِينُ } فذلك هو دوره أمام الله وأمام الناس.

ـــــــــــــــــــ

(1) تفسير الميزان، ج:15، ص:149.