من الآية 58 الى الآية 60
الآيــات
{يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صلاة الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ العشاء ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيات وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النساء اللاتي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ} (58ـ60).
* * *
معاني المفردات
{مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: العبيد والإماء.
{الْحُلُمَ}: البلوغ.
{جُنَاحٌ}: إثم.
{وَالْقَوَاعِدُ}: العجائز.
* * *
أحكام استئذان الرقيق والأطفال
وهذا حديث عن لون من ألوان الأدب الاجتماعي في الإسلام، لجهة دخول الأولاد والرقيق على الكبار من أهل البيت، حتى تتبنى التربية خطّاً واضحاً محدّداً في هذا المجال، يمنع الانحراف من جهة، ويوحي باحترام حرية الفرد في حياته الخاصة، خاصةً في حالات الاسترخاء التي يخلو فيها الإنسان لأهله ولنفسه دون قيد، ما يجعل البيت يعيش نظاماً متوازناً يعرف فيه كل واحدٍ موقعه وحدوده في ما يتعلق باقتحام خلوات الآخرين، طفلاً كان أو بالغاً..
{يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} من العبيد والإماء على سبيل التغليب {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ } من المميّزين من الأطفال الذين يعيشون أجواء المعاني الجنسية للعلاقات بحيث يميزون بين وظائف الأعضاء ويفهمون طبيعة ذلك كله {ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ الظَّهِيرَةِ} وهو كناية عن كونهم على حالٍ لا يحبون أن يراهم الأجنبي عليها، {وَمِن بَعْدِ صَلاةِ العشاء ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} لأنكم تكونون في هذه الحالة وحدكم أو مع أهلكم في حالة من التحرر في اللباس وفي الوضع الجسدي، بحيث تستترون عن الآخرين فيها، فلا تريدون أن يفاجئكم أحد على مثل هذه الحالة، فلا بد لكم من أن تتولّوا تربيتهم وتعوّدوهم على عدم الدخول عليكم إلا بعد الاستئذان منكم في هذه الأوقات التي تعوّدتم فيها أن تأخذوا حريتكم الشخصية في داخل بيوتكم أو غرفكم..
أمّا خارج هذه الأوقات التي لا يكون فيها الاسترخاء الجسدي حالةً طبيعيةً للشخص في بيته، فلا مشكلة في ترددهم عليكم {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } لأنكم تكونون في أوضاع محتشمة لا تسيء إلى خصوصياتكم وإلى طهارة تفكيرهم الذي ينبغي أن يعيشوه تجاه هذه القضايا الخاصة، لذا فإن باستطاعتهم أخذ حريتهم في ذلك، {طَوَافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} في ما يحتاجه كل واحد من الآخر في خدماته.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيات} التي توضح للإنسان منهجه وطريقته في الحياة، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } يعلم أحوالكم ويراعي قواعد الحكمة في ما يدبره من أموركم في تخطيط التشريع، وفي حركة الواقع..
{وَإِذَا بَلَغَ الاَْطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}، وهم البالغون من الرجال والنساء الأحرار، لأن هناك حواجز شرعية تمنعهم من الدخول بدون إذن.
{كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وعليكم أن تفهموها وتلتزموا حدود الله فيها، لأنها منطلقة من وحي الله الذي يعلم كل شيء ويحكم بالمصلحة في حياة الإنسان.
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النساء اللاتي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً} لأنهن بلغن سناً كبيراً لا يرغب أحدٌ معه في الزواج منهن، وقيل: هن اللائي يئسن من الحيض.
{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} بأن يتخفّفن من الحجاب، فيضعن بعض ثيابهن عن بعض جسدهن {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ} بأن لا يظهرن في طريقتهن في اللباس ما يوحي بالزينة ويظهر محاسنهن بطريقةٍ أو بأخرى، وهي استثناء من الحجاب الواجب على النساء.
{وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ } أي يطلبن مواقع العفة ومظاهرها، بالاحتجاب الذي يبعد الجسد عن الرؤية التي قد توحي بالشهوة، وإن كان ذلك أمام الأشخاص الذين لا يعيشون المشاعر الطبيعية في العلاقات الجنسية، فيرغبون بمن لا يُرغب بها في الحالات العادية {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ } يسمع ما يسأله عباده في حاجاتهم الخاصة والعامة، ويعلم ما يصلح أمورهم وإن لم يسألوه منه.
تفسير القرآن