تفسير القرآن
الفرقان / من الآية 30 إلى الآية 31

 من الآية 30 الى الآية 31

الآيتـان

{وَقَالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قومي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرآنَ مَهْجُوراً* وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نبي عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} (30ـ31).

* * *

لكل نبي عدوٌّ من المجرمين

ويتابع الرسول رسالته، ويتلو القرآن على قومه في بداية الدعوة ليفتح عقولهم على الحق، وقلوبهم على الإيمان، وحياتهم على خط الشريعة الإسلامية، ليهتدوا بذلك من خلال التأمل والتدبر والوعي العميق.. ولكنهم يعرضون عنه، ويبتعدون عن ذلك كله ويهجرون آياته، فلا يقبلون على سماعها أو تلاوتها، ولا يتدبرونها في عقولهم ومشاعرهم، فيلجأ الرسول إلى ربه شاكياً في تقرير مسهبٍ متضمن لما قدمه في سبيل الدعوة، وما بذله في سبيل الهداية.

* * *

إن قومي اتخذوا القرآن مهجوراً

{وَقَالَ الرَّسُولُ يرَبِّ إِنَّ قومي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} من دون أن أقصِّر في ما كلفتني وأمرتني بالقيام به من إبلاغ وإنذار، وابتعدوا عني إلا قليلاً منهم. ولكن الله سبحانه يوحي إليه بأن الدعوة تصنع أعداءها كما تصنع أصدقاءها، فإن أفكارها تستثير الناس الذين يفكرون بطريقةٍ مغايرة، ويتحركون من الموقع المضاد، فيقفون ضدّها لحماية أفكارهم ومصالحهم وأوضاعهم التي يخافون عليها من حركة الدعوة الجديدة. وهكذا يتجمع الأعداء في روحية الإجرام ليعملوا بكل وسائلهم في إسقاط الرسالة والرسول.

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نبي عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} الذين يعيشون الجريمة في مستوى الفكر، فيعملون على قتل الحق بأضاليلهم الفكرية، كما يعيشونها في مستوى الحركة ليسقطوا الذكر الإِلهي في مشاريعه التغييرية، بكل وسائلهم الإجرامية.. ولكنهم لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، فلن يستطيعوا إضلال الرسول عما يدعو إليه من الهدى، ولن يتمكنوا من إسقاط الرسالة في تأكيد وجودها على الأرض، لأن الله سينصر نبيّه ويهديه، وإذا أراد الله أن يهدي أحداً فلن يضله أحد، وإذا أراد أن ينصره فلن يهزمه أحد، لأنه يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} في خط الهداية، وفي حركة الصراع من أجل النصر.

* * *

إيحاءات الآية في الدعوة

وهكذا ينبغي للدعاة في خط الرسالات أن يعيشوا هذه الحقيقة الرسالية في ساحة الصراع، لئلا يتعقّدوا من ذلك، فيسقطوا أمام التحديات، ويخافوا من النتائج السلبية على مستوى الدعوة، لأن المسألة تدخل في نطاق الواقع الطبيعي للأشياء، من خلال ما تواجهه كل فكرةٍ جديدةٍ تتحرك ضد التيار، ما يجعل من مواجهة الفكر المضاد سبيلاً إلى القوّة بدلاً من أن تكون سبيلاً إلى الضعف، على أساس ما تمنحه من قوةٍ جديدةٍ للرساليين الذين يستنفرون كل طاقاتهم من أجل المعركة وما يثيرونه من عوامل التحدي ويمارسونه من خبرةٍ متحركةٍ على أكثر من صعيد ويعيشونه من ثقةٍ كبيرة بالنجاح في شعورهم القويّ بأن الله معهم، فلا يستطيع المجرمون من أعداء الرسالة إسقاطها بوسائلهم المتعددة، لأنهم لا يملكون كل مواقع القوّة في الساحة، فللَّه القوّة جميعاً، وعلى الرساليين أن يأخذوا بأسباب النصر، لينتصروا، وينتهزوا الفرص المعدّة لديهم للنجاح لينجحوا، لأن الله يريد للناس أن يأخذوا بسننه في حركة الدعوة والحياة، فلا يغفلوها في حركتهم أو عملهم.