من الآية 141 الى الآية 150
الآيــات
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُون* إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ إِنْ أَجْريَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ* وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ* فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ في الاَْرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ* قَالُواْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بآيةٍٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ* فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ* فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (141ـ159).
* * *
معاني المفردات
{طَلْعُهَا}: طلع النخل: عنقود التمر في أول تكوينه وقبل أن يخرج من كمِّه.
{هَضِيمٌ }: اليانع الناضج.
{فارِهِينَ }: من الفره، وهو النشاط والفرح.
{الْمُسَحَّرِينَ }: مبالغة في المسحورين.
{شِرْبٌ }: بكسر الشين، النصيب.
* * *
حوار صالح مع قومه ثمود
ويعود الحديث إلى قصة صالح مع قومه ثمود في دعوته إلى التوحيد، والالتزام بأوامر الله ونواهيه، على النهج الذي دعا به هود مع عاد، فكذّبوه في ذلك كله {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهذا هو عنوان الدعوة وإجمالها وأمانة الرسول واستغناؤه عنهم ليؤكد لهم معنى الأصالة في رسالته في امتدادها في حركة خط الأنبياء الذين تقدموه ليستذكروا الكلمات نفسها والمواقف نفسها والدور نفسه.
{أَتُتْرَكُونَ فِى مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ} هلاّ نظرتم إلى ما أحاطكم الله به من النعم الكثيرة التي لا تقف عند حد، فهل تتصوّرون أن الله يترككم لأنفسكم فيها لتمارسوا حريتكم في اللهو والعبث والابتعاد عن الإيمان والتقوى، من دون أيّة مسؤولية في ما تأخذون به أو تَدَعونه؟
{فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} والطلع في النخل كالنور في سائر الأشجار، والهضيم ـ على ما قيل ـ المتداخل المنضمّ بعضه إلى بعض.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ} فيما تمثله الفراهة من معنى البطر، أو الاتصال وانفتاح النفس على سعة الأفق ورحابته.
{فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} فإن هذه النعم المحيطة بكم هي المدخل الذي يطلّ بكم على عظمة الله ورحمته، ويقودكم إلى طاعته عبر شكر النعمة.
* * *
لا تطيعوا أمر المسرفين
{وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} الذين أسرفوا على أنفسهم بالكفر والشرك والانحراف عن طاعة الله، لتأكيد امتيازاتهم واستكبارهم وظلمهم للمستضعفين، وهم الطبقة المترفة من أفراد المجتمع، من أشراف القوم وساداتهم الذين أصرّوا على البقاء في مواقعهم الفكرية والعملية، بعيداً عن التغيير المنطلق من الدليل والحجة والبرهان {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى الاَْرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} من خلال أفكارهم الكافرة، وعباداتهم المشركة، وتقاليدهم المنحرفة، وعلاقاتهم الفاسدة، وأفعالهم الشرّيرة، ما يؤدي إلى اختلال النظام العام في الوجود الإنساني في الأرض، وإلى إفساد الحياة من حولهم مما يرفضه الله من كل عباده، إذ حمَّلهم مسؤولية الإصلاح في أنفسهم وفي الناس، على مستوى الدعوة والعمل، لينسجم النظام الإنساني مع النظام الكوني في عملية تكاملٍ وتوافقٍ وامتداد.
وإذا كان الله يريد الحياة على أساس إقامة النظام العام في حركة الإنسان، فلا بد من أن يتحمل الناس البسطاء مسؤولية التمرد على هؤلاء المسرفين المفسدين في الأرض.
{قَالُواْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } الذين خضعوا لألاعيب السحرة في عقولهم وأفكارهم، فلا تستطيع أن تفكر بعقل متوازن، أو تتكلم بكلام موزونٍ معقول، وهذا ما جعلك تدَّعي النبوّة والرسالة من الله سبحانه مما لا يقبله عقل ولا منطق، و {مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } فهل يمكن أن يكون البشر نبياً، وكيف يتصل البشر بالله في مواقع الغيب، وكيف يميز الله بشراً عن بشر في ذلك من دون أن يكون هناك امتيازٌ ذاتي في الصورة والقدرة، كما هي الحال بيننا وبينك، فإنك بشر مثلنا، فلا يميزك أيّ شيء عن أيّ واحد منا، فإذا كنت صادقاً في ذلك {فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} لنعرف صدق دعواك من صدق دليلك، لأن الدعوى التي لا يملك صاحبها دليلاً عليها، لا قيمة لها في حساب الفكر والإيمان.
{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} فهي آية من آيات الله التي لم يسبق لكم أن رأيتم مثلها، لأن في داخل شخصيتها معجزةً إلهيّةً، فهي تستطيع أن تسقي البلد كلها من لبنها، مما لم يعهد في أيّة ناقةٍ أخرى، ولكنها إذا أرادت أن تشرب، فلا بد من أن لا يشرب معها أحد طيلة اليوم، فلا بد من تقسيم اليوم بينكم وبينها، فلها شرب يوم كامل ترتوي فيه من الماء ليتحول إلى لبن، ولكم شرب يوم معلوم.
{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} لأن ذلك يمثل التمرد على الله في مواجهة آياته التي يتطلبها الناس ويقترحونها، فإذا استجاب لهم، فمعنى ذلك أن الله لا يمهلهم إذا كذبوا وتمردوا وأساؤوا.
ولكنهم تآمروا فيما بينهم على قتلها، لأنهم لم يطيقوا انتصار صالح عليهم بهذه المعجزة العجيبة التي لا يملكون لها أيّ تفسير مادّيٍ معقول، {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَـادِمِينَ } لأنهم كانوا خاضعين في اندفاعهم العدواني لقتل الناقة، لحالةٍ انفعاليةٍ مجنونةٍ، بفعل تأثير التوجيه الضالّ الذي قادهم إليه المستكبرون من أصحاب الامتيازات الظالمة من رؤسائهم المنحرفين، للحفاظ على امتيازاتهم دون مصالح المستضعفين، عبر ما يوحون به إليهم من أفكارٍ عدوانية وأوهام مريضةٍ، وما يثيرونه في أجوائهم من الغفلة عن عواقب الأمور، حتى إذا أكملوا الجريمة، ونفذوا كل ما خطط المنحرفون، انتبهوا إلى هول النتائج السلبية التي يواجهونها في حرمانهم من اللبن الذي كانوا يشربونه منها، ومن العذاب الذي توعدهم به الله على لسان نبيه صالح، الذي استهانوا به وبوعيده وإنذاره، فلم يحاولوا أن يلتفتوا إلى أن الذي جاء بهذه المعجزة الخارقة، يملك السر الذي يؤهله لمعرفة النتائج المستقبلة للتمرد والجحود والكفران، {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} وقد تقدم تفسيره.
تفسير القرآن