تفسير القرآن
النمل / من الآية 54 إلى الآية 58

 من الآية 54 الى الآية 58

الآيــات

{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ* أَئنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} (54ـ58).

* * *

معاني المفردات

{الْفَاحِشَةَ}: الفُحش والفحشاء والفاحشة: ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال.

* * *

لوط مع قومه في خط الرسالة

{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} التي يرفضها الذوق والعرف والطبيعة، من خلال المزاج الشهواني الذي يخضع لنزواتٍ ذاتيةٍ، بعيداً عن التوازن بين الحاجة والرغبة. ولهذا كانت فاحشةً تتجاوز الحدود المرسومة في إشباع الغريزة، فلم ينطلق الوضع التكويني للرجل ليكون عنصراً سلبياً في غريزة الجنس فيكون مفعولاً، بل ليكون عنصراً إيجابياً فاعلاً في ذلك، لأن الإعداد الجنسي لا يقتصر على مجرد إمكانات الإِشباع، بل على الأجواء المتنوعة المتفاعلة طبيعياً في ما يجمع بين الرغبة والحاجة في روحية الممارسة وحركتها المادية.

ولهذا، فإن القرآن يحدثنا عن لوط كيف كان يوبِّخ قومه ويحتجُّ عليهم، كيف تأتون الفاحشة جهاراً كمسألةٍ طبيعيةٍ {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} وترون نتائجها المضرّة على مستوى حياتكم العامة والخاصة، أو وأنتم في حال يرى بعضكم بعضاً وينظر بعضكم إلى بعض، كما ذكر بعض المفسرين. ولعل الوجه الأول أوفق بالجو السياقي للآية، لأن الظاهر أن التنديد بالفاحشة كان منطلقاً من طبيعة قيامهم بها من موقع الوعي لطبيعتها السلبية التي تستتبع الارتداع عنها، لا من قاعدة الرؤية الحسية لها، لأن مشاهدة بعضهم البعض في ما تسالموا عليه من الفعل لا يثير الرفض الفكري له، والله العالم.

{أئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ} في ما تتمثل به الفاحشة في سلوككم العملي مما لا يتقبله الوجدان الفطري للإنسان من خلال دراسته للإِعداد الطبيعي للتفاعل الجنسي بين الرجل والمرأة في تكوين المرأة وإعدادها للجنس الذي يجمع في داخله أكثر من نتيجةٍ إيجابيةٍ طبيعية على مستوى الحاجة الذاتية للشهوة وللرغبة ولاستمرار الحياة الإنسانية من خلاله، كما هو الحال في حركة الغرائز في جسد الإنسان في تنوّع النتائج في العمل الواحد، فكيف تأتون ذلك {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } لا تتحركون في حياتكم من موقع الوعي المنفتح على طبيعة الأشياء، بل من موقع الجهل الطاغي الذي لا يحسب أيّ حسابٍ للمصلحة والمفسدة في حياة الإنسان، بل كل ما عنده هو الانفعال بالمزاج الذاتي للرغبة الخاصة.

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } فهذا هو الردّ على دعوة لوط للتفكير في المسألة، والحوار حولها، والابتعاد عنها، لأنهم لا يملكون عمق الفكرة التي تفرض القناعة، بل كل ما عندهم، هو الانفعال بالمزاج الذي يمنعهم من التجاوب معه في رفض ذلك، ما يجعلهم في موقف الضعف الفكري الذي يتحول إلى عنفٍ عمليّ. وهكذا كان النداء الذي انطلق من كل واحد منهم ليتجاوب في نداء الجميع، بالمطالبة بإخراج لوط وأهله من القرية، لأنهم يعيشون طهارة الغريزة في حركة العلاقات الجنسية، فلا يسمحون بها إلا في الدائرة الطبيعية في نطاق العلاقات الزوجية، في ما توحي به الكلمة من اعتبار الطهارة في العلاقة، من حيث طبيعتها وشرعيتها، هي الأساس في طهارة الفعل، فليس الجنس قذارةً في مفهوم الرسالة بل طريقة ممارسته في دائرة الانحراف.

* * *

نجاة لوط وأهله

{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} بعد أن استكمل رسالته بمختلف الأساليب، ولم يبق هناك أيّ مجال لأيّة تجربةٍ جديدة، وبعد أن تحوّل الموقف إلى حالة عنف للتدمير، لا حالة حوار للإقناع، {إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} الهالكين لأنها لم تستجب لحركة الرسالة في حياة زوجها، بل تآمرت عليه مع قومها فاستحقت العذاب معهم، لأن الإسلام لا ينطلق في المسؤولية من العلاقة الوثيقة بين النبي والآخرين من الناحية الذاتية، بل من الناحية الرسالية، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً} من الحجارة {فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} الذين لم يستجيبوا للإنذار.