من الآية 86 الى الآية 88
الآيــات
{أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ* وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيء إنه خبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (86-88).
* * *
معاني المفردات
{داَخِرِينَ}: أذلاء صاغرين.
* * *
يوم ينفخ في الصّور
{أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا الّلَيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً} كيف يمكن أن ينكروا الله وهم يرون كيف تتجلى عظمته في حركة الزمن، في هذا الليل الذي يختزن الظلام في عمقه، فيوحي بالهدوء والاسترخاء والصفاء الذي يعيش فيه الإنسان السكينة الجسدية والروحية التي تمنحه القوّة ليوم جديد، وفي هذا النهار الذي يفتح النور عينيه، فيبصر الكون كله من خلال الشمس التي تشرق في عيون الكون، ليعيش الإنسان معها كل عظمة الله عندما تلمع عيناه بكل شيءٍ جديد..
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فهي العلامات الواضحة التي يجد فيها الإنسان الدليل على وجود الله ووحدانيته بما يتحرك فيه النظام الكوني الذي يوحي بعظمة الخالق المبدع لقوم ينفتحون على الإيمان من خلاله..
{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ} هناك حيث ينطلق الصوت الغيبيّ الذي يؤذن بالقيامة التي يقف فيها الناس للحساب ليواجهوا نتائج أعمالهم، فيفزع الكافرون والخاطئون ويرتجف الخلق كلهم من خلال عظمة المسؤولية بين يدي الله، {إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ} من عباده الذين أودع السكينة في قلوبهم، من خلال ما عاشوه من الصفاء الروحي للإيمان في وجدانهم ومشاعرهم الروحية، ممن اختارهم الله لرسالته، ولرحمته ورضاه {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} خاشعين خاضعين لله في حالٍ من الذلة والصغار الذي يحس به العبد عندما يسعى إلى لقاء مولاه، في معنى العبودية التي يعيش فيها الانسحاق أمام الله، ولكنه ينطلق بالحرية أمام الكون كله، على أساس الفكرة الإيمانية التي تؤكد أن الإنسان يكون حراً في نفسه ومع الناس بمقدار ما يكون عبداً لله.
{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} في أجواء يوم القيامة، في ما يظهر من سياق الآية بأن الله يسيّر الجبال ويحركها من أماكنها في سرعة قياسيةٍ، تماماً كما هو السحاب عندما يسير في الفضاء في خفته وسرعته، ولكنها لفرط سرعتها لا يحس بها الإنسان فيحسبها ثابتةً، وذلك لأن الجرم الكبير إذا سار في سمتٍ واحدٍ وخطٍ مستقيم، فلا تدرك الأبصار حركاته لضخامته وبعد أطرافه، لا سيّما إذا كان الرائي بعيداً عنه.
وقد حاول بعض المفسرين الاستدلال بهذه الآية على دوران الأرض وحركتها، ولكنها على خلاف ظاهر السياق ـ كما أشرنا إلى ذلك آنفاً ـ لا سيما أن هناك أكثر من آيةٍ تتحدث عن تسيير الجبال كعلامةٍ من علامات يوم القيامة.
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شيْءٍ} في وجوده وحركته، وذلك بما أودعه في داخله من القوانين الطبيعية التي تنظم حركة الوجود كله في جميع مفرداته وتفاصيله، وهذا ما يلاحظه العلماء في دراستهم للظواهر الكونية، حيث يرون النظام الدقيق يحكم كل واحدٍ منها، من دون أيّ انحراف أو ميل عن الوضع الطبيعي المتقن.
{إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} فهو الذي خلقكم كما خلق الأشياء كلها، ويعلم كل ما تفعلونه من خلال إحاطته بكل ما تتحرك فيه عقولكم وأجسادكم في ما تخفيه وتعلنه من أقوالٍ وأفعالٍ.
تفسير القرآن