تفسير القرآن
النمل / من الآية 91 إلى الآية 93

 من الآية 91 الى الآية 93
 

الآيــات

{إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنذِرِينَ* وَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (91ـ93).

* * *

معاني المفردات

{الْبَلْدَةِ}: المراد بالبلدة هنا: مكة.

* * *

سيريكم الله آياته

{إِنَّمَآ } يا محمد، قل لكل قومك الذين اتخذوا هذه البلدة المقدسة وكعبتها المشرّفة موقفاً لعبادة الأصنام {أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا } فهو الذي خلقها بجبالها وسهولها وناسها وحيوانها ونباتها، وهو الذي أعطاها صفة القداسة عندما جعلها حرماً آمناً يأوي إليه كل الناس من دون أن يخافوا عدوّاً، حينما حرّم فيها القتال على كل من في داخلها أو خارجها، وهو الذي يستحق العبادة، فإذا دعوتكم لعبادته وحده، فإنني أول من يلتزم بذلك ويقوم به، وإذا دعوتكم لرفض عبادة الأصنام من موقع أنها مصنوعة من الأحجار أو الأخشاب، فإنني أول الرافضين لذلك كله {وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ} في الكون كله، فلا يملك أحد معه شيئاً، من هذه البلدة ومن غيرها، فماذا تملك هذه الأصنام منه، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } الذين عاشوا إسلام الفكر والقلب والحياة لله، وهذا ما يجعل النبيّ ملتزماً دعوته من موقع الانتماء، ومتحركاً في خطها العملي من موقع الانقياد.

{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} على الناس كلهم، لأفتح عيونهم وعقولهم وحياتهم على مواقع الهدى ليفكروا بحرّية، ليختاروا الموقف الذي يناسبهم من خلال وعيهم للنتائج الخيّرة التي تترتب عليه في جانب الخير، وليتعرفوا الموقف الآخر الذي يحتوي النتائج السلبية المترتبة عليه، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} لأن نتائج الهدى تخص حياته في ما يصل من خلالها إلى مواقع الخير والسلام، {وَمَن ضَلَّ} وانحرف عن الخط المستقيم، ولم يأخذ بأسباب الهدى، فاتركه لاختياره وأبلغه أنك لست مسؤولاً عن ضلاله، لأنك أبلغته كل كلام الله وحذرته من عقابه، {فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنذِرِينَ} ليدلوا الناس على مواقع الهوّة السحيقة التي يهلك من وقع فيها، ثم يترك لهم حرية اختيار المصير الذي يريدونه.

{وَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ} على ما اصطفاني لرسالته، وهداني إلى دينه، وحمّلني مسؤولية تبليغ الرسالة، وأعلن لهؤلاء الذين يتطلّعون إليك ويستمعون لحديثك، أو يعرضون عنك {سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} في أنفسكم وفي الكون من حولكم وتعرفون الحقيقة الإِلهية من خلالها، ولا تستطيعون إنكارها بعد ذلك عندما يقف الجميع للحساب أمام الله {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فحاذروا أن تكونوا في الموقع الذي تتعرضون فيه لسخطه، وحاولوا أن تكونوا في مواقع رضاه، لأن مسألة المصير لا تحتمل العبث واللاّمبالاة، لا سيما إذا كانت المسألة متصلة بالله سبحانه وتعالى، الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها، وهو الذي يحاسب ويعاقب وهو شديد العقاب، كما أنّه الغفور الرحيم.