تفسير القرآن
القصص / من الآية 43 إلى الآية 48

 من الآية 43 الى الآية 48
 

الآيــات

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاُْولَى بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الاَْمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ* وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِى أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتِّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلا أُوتيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ}   (43ـ48).

* * *

معاني المفردات

{الْقُرُونَ}: جمع قرن، والمراد به أهل عصر من العصور، فإذا انقضى أكثرهم قيل: انقضى القرن.

{فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ}: أي طال عليهم الأمد الذي بينهم وبين القرون الماضية.

{ثَاوِياً}: مقيماً.

* * *

الله يعطي موسى كتاب الهداية

وبدأ موسى دوراً جديداً في إثارة وعي الرسالة في عقول قومه المستضعفين الذين حرّرهم من استعباد فرعون لهم، وأنقذهم من طغيانه، ليبدأوا حياةً إنسانيةً حرة وعادلة، وكان لا بد للحركة الجديدة في خط النبوة من كتاب يحدّد للناس مفاهيم الحق والباطل، والخير والشرّ، والظلم والعدل، ويفصّل لهم ما يفعلون وما يتركون، مما يأمر به الله مما يصلحهم، ومما ينهى الله عنه مما يفسد حياتهم، وهكذا كان الأمر {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاُْولَى} التي سبقت زمنه، كقوم نوح وإبراهيم وغيرهم في فترةٍ زمنيةٍ لم يكن للناس فيها عهدٌ بالرسالات والرسل، فكان هذا الكتاب الذي أنزل على موسى(ع) {بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ} يبصر الناس الحق في مفهومه الكلي، وفي جزئياته العملية، {وَهُدًى} في ما يهديهم إليه من سبل الخير لئلا يضلوا عنه في سبل الشرّ، {وَرَحْمَةً} في ما يحلّ لهم من مشاكل الحياة الصعبة في قضاياهم المتنوعة، مما كانوا يعانون منه من متاعب وآلام، في تحديات الواقع، وفي ما يخطط لهم من مناهج وشرائع.

{لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} في ما تثيره آياته في عمق شخصياتهم من أفكار ومشاعر، وما تفتحه لهم من آفاق ومشاريع وفتنقذهم من الغفلة المطبقة عليهم.

{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الأَمْرَ} عندما أنزلنا عليه في الوادي الغربي، أو الجبل الغربي، التوراة التي جعلت من النبوّة حركةً في تنظيم الحياة من حوله، بعد أن كانت مجرد عقيدةٍ في الفكر {وَمَا كنتَ مِنَ الشّاهِدِينَ} عليه، {وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} وامتد التاريخ من بعده حتى كاد الناس أن ينسوا ذلك الخط في مضمونه وقصته {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِنَا} لتعرف كيف عاش موسى بينهم مدة طويلةً {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} لك إلى قومك لتقص عليهم ذلك، ليعتبروا به.

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} موسى لنبلّغه الرسالة التي يحملها إلى فرعون وقومه وليمتد بها ـ بعد ذلك ـ إلى الناس كافة {وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} أنزلها عليك، بما عرَّفك من قصته، في ما أنزله من آياته {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} في المجتمع الذي عشت فيه، وفي ما حوله من هؤلاء الذين ابتعدت عنهم الرسالات، لبعد الزمن الذي انطلقت فيه عنهم {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} في ما ينطلقون به ـ من خلالها ـ من وعيٍ وفكرٍ وإيمان.

وهكذا تؤكد هذه الآيات في الحديث مع النبي محمد(ص) أن ما أنزله الله عليه من قصة موسى، هو الوحي المبين الذي لا ريب فيه، ليكون ذلك أساساً للإيمان في قومه من خلال الحق الذي يتحرك في الفكر والشعور، لأن النبي إذا لم يكن شاهداً على ذلك التاريخ كله شهادة حضور، فلا مجال لديه للمعرفة به إلا من خلال الوحي، لأن كثيراً من التفاصيل الموجودة فيه لم تذكر في أيّ مصدر من المصادر الأخرى عند الناس.

وربما كانت هذه التأكيدات منطلقةً من اللغط الذي كانت تثيره قريش حول الرسول، عندما يحدثهم عن قصص موسى(ع) لتثير الشك فيه.

{وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} جزاء أعمالهم وتمردهم على الرسول والرسالة، {فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتِّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فيكون ذلك حجةً منهم على الله في ما يتساءلون به: كيف ينزل الله عليهم العذاب على ضلالهم قبل أن يقيم عليهم الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب؟ ولهذا أرسل الله إليهم الرسول ليواجهوا الموقف من خلال المسؤولية المباشرة للإيمان {فَلَمَّا جَآءهم الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا} مما أنزله الله من آيات القرآن على رسوله {قَالُواْ لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتيَ مُوسَى} من المعجزة الخارقة للعادة أو من التوراة، وهذا هو المنطق الذي أرادوا به أن يهربوا من التفكير بالآيات في مضمونها ووحيها الروحي والفكري ومنهجها العملي، ليطلقوا الكلمة التي تربك الجوّ العام للرسالة من دون أن يدركوا معناها. فإن الذين يطلبون أن يؤتى النبي(ص) بمثل ما أوتي موسى(ع)، لا بد من أن يكونوا مؤمنين بما أنزل على موسى، ولكنهم ليسوا كذلك {أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِىَ مُوسَى مِن قَبْلُ} فلم ينطلقوا في حياتهم الفكرية والعملية من موقع التوراة، لأنهم يلتزمون الشرك كمنهجٍ للفكر وللعمل {قَالُواْ ساحْرَانِ تَظَاهَرَا} سحر التوراة وسحر القرآن ليدعم بعضهما البعض {وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} فلا نؤمن بهذا ولا بذاك.