تفسير القرآن
القصص / من الآية 65 إلى الآية 70

 الآية 65 الى الآية 70
 

الآيــات

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ* فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاَْنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ* فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ* وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ* وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ* وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الاُْولَى وَالاَْخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (65ـ70).

* * *

معاني المفردات

{فَعَمِيَتْ}: خفيت.

{الاَْنبَآءُ}: المراد بالأنباء: الأجوبة والأعذار.

{الْخِيَرَةُ}: الاختيار.

* * *

الرجوع إلى الله

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} بالنداء الثاني الذي يؤكد لهم قيام الحجة عليهم، إلا أنهم لا يستجيبون لها تمرداً، {فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} هل استمعتم إليهم؟! وهل دخلتم معهم في حوار؟! كيف كان ردكم عليهم؟! هل كان إيجاباً بالاستجابة لدعوة الإيمان بالله، أو كان سلباً بالرفض لها؟! ولم يكن السؤال استفهاماً، لأن الله يعلم كل شيء، بل كان تأنيباً وتوبيخاً، ولكنهم لا يجيبون، لأنهم لا يدرون ماذا يقولون أمام الحق الذي يفضح واقعهم المرير.

{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاَْنبآءُ يَوْمَئِذٍ} فلا يبصرون في وجدانهم شيئاً منها، كما لو كان إحساسهم قد أصيب بالعمى، وذلك من خلال الصدمة القاسية التي واجهوها، إذ لم يكونوا مترقبين لها في أيّة عمليّةٍ حسابية، فأغلقت عليهم جميع الطرق وتقطعت بهم الأسباب، ولذلك فهم لا يجيبون عن السؤال ولا يملكون القدرة على التساؤل ليأخذ أحدهم بعض المعرفة من الآخر ليعتذر عما فعل، {فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ} ولا يملكون السؤال ولا الجواب في أيّ شيء مما يخطر في الذهن، أو يوجّه من الآخرين، وذلك هو شأن المشركين في هذا الجو القلق الخائف المترقب الذي لا يهتدي إلى أي شيء {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} أمّا المؤمنون الملتزمون الواعون، فلهم شأن آخر، وموقع آخر، {فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} من هؤلاء الذين تراجعوا عن الكفر بالتوبة والعودة إلى الإسلام والالتزام بشرائعه في عملهم الصالح في خط الخير والصلاح.

* * *

وربك يخلق ما يشاء ويختار

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} فهو الخالق الذي يملك أمر الخلق وخصوصياته، في ملامحه الذاتية، وفي حركته العملية، وفي كل ما يحيط به من أجواء، وما يتخذه من أوضاع، وهو الذي يقدِّر الأمر كله في كل ما يتعلق بالناس. وهذه هي الحقيقة الإيمانية التي لا بد لهم من إدراكها في موقعهم من الله، فهم مشدودون في وجودهم إلى إرادته، كما هم مشدودون إليه ومرتبطون به في تفاصيل الوجود وامتداده {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} لأنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً، فلا بد لهم من الانقياد إليه، والاتكال عليه، وتحريك إرادتهم في خط إرادته، لأنهم لا يملكون حرية التصرف بعيداً عن دائرة التشريع الإلهي، في ما كلَّفهم به، كما لا يملكون القدرة على التحرك بعيداً عن دائرة الإرادة الإلهية في حركة التكوين لينسجم الإنسان في ما يعتمد عليه نظام حياته العملي مع ما يعتمد عليه في وجوده الواقعي.

ولعل الغفلة عن هذه الحقيقة الإيمانية في موقع الإنسان من ربه، الذي يحدد موقفه منه، هي التي تدفعه إلى الانحراف، وتقوده إلى التمرد على الله سبحانه، والبعد عن طاعته والتحرك في دوائر الشرك، من خلال ما يشاهدونه من عظمة غيره، أو مما يتخيَّلونه له، وما يغفلون عنه من عظمة الله المطلقة التي تستمد الأشياء عظمتها منه، {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فلا عظمة لأحد أمام عظمته، ولا قيمة له أمام قدرته، {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} فهو العالم بما يخفونه من أسرار وأفكار وما يعلنونه منها، فهم مكشوفون أمامه بكل شيء، فلا يخفى عنه شيء من أمورهم السرّية والعلنية، ما يوحي لهم بأن تكون أسرارهم في رضاه، كما تكون علانيتهم في رضاه، لأنه المطلع على هذا وذاك. وإذا كان الله يعلم سرّهم وعلانيتهم، كان هو الذي يعلم ما يصلحهم وما يفسدهم، فكيف يبتعدون عن أوامره ونواهيه؟

{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فكلُّ من عداه مألوهٌ له، لأنه مخلوق له، فكيف يكون شريكاً له، وهو الذي يجب أن يُعبد دون سواه، لأنه ـ وحده ـ المستحق للعبادة {لَهُ الْحَمْدُ فِي الاُْولَى وَالاَْخِرَةِ} ولا حمد لغيره، فكلّ حمد يرجع إليه، لأنه السبب لكل ما يحمد الخلق عليه، فهو المنعم عليهم، بما يحمدهم الناس عليه في الدنيا وفي الآخرة، لأنه ـ وحده ـ المهيمن على الأمر كله في عقابه وثوابه، ورحمته ورضوانه.

{وَلَهُ الْحُكْمُ} وله الأمر لأنه المالك لكل شيء، ولا يملك غيره شيئاً إلا ما ملَّكه إيّاه، وإذا كان هو المالك للوجود كله، فلا بد من أن يكون هو المدبر له والحاكم فيه والآمر في حركته، في ما يتحرك به عباده في خط طاعته.

{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ليحاسبكم على أعمالكم من خير أو شر، فكيف تتصرفون أمام هذه الحقيقة الإيمانية، في ما تأخذون به، أو تدعونه من أمور الحياة الصغيرة والكبيرة؟!