تفسير القرآن
القصص / من الآية 71 إلى الآية 75

 الآية 71 الى الآية 75
 

الآيــات

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ* قُلْ أَرَأيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ* وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ* وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} (71ـ75).

* * *

معاني المفردات

{سَرْمَداً}: بمعنى الدائم، وقيل: هو من السرد والميم زائدة، ومعناه المتتابع المطرد.

{وَنَزَعْنَا}: أخرجنا.

* * *

الله هو الحق

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّليْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} في خط الزمن، فلا لون له إلا هذا السواد المطبق الذي لا ينفذ منه النور، فهو الحالة الدائمة في كل أجواء الحياة {مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ} يتدفق في الكون فيعطي الزمن لون الضياء وإشراقة النهار، ويتحرك الإنسان معه ليجد كل ما حوله مضيئاً، يسهّل له أمر معاشه، ويفتح له أكثر من نافذةٍ على أكثر من موقع من مواقع حاجاته العامة والخاصة في الحياة، فهل هناك قوّةٌ غير الله، تملك أمره، في ما تتصورونه ممن يملك القدرة فيمن حولكم، {أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} كلمة الحق التي تعبّر عن الحقيقة الإيمانية في وحدانية القدرة المطلقة المهيمنة على الكون كله لله سبحانه، وحده؟!

{قُلْ أَرَأيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} في حركة النور في الزمن بحيث كان يتفجر في كل زاوية من زوايا الكون، ويخترق العيون بقوة شعاعه، فلا تستطيع أن تنغلق على النوم في حالات الإعياء، {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} لترتاحوا فيه من عناء التعب، في إغماضة الجفون، وسكون الجسد، بما يمنحكم إياه الظلام من استرخاءٍ وهدوءٍ، {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} كيف تتحرك الظاهرة الكونية الإلهية من خلال قدرة الله في خلقه التي تدل على تفرّده في كل شيء؟!

{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} في تنظيمه الزمني الذي ينسجم مع مصلحة الناس في ما يحتاجون إليه من الراحة والطمأنينة، ومن السعي في سبيل تحصيل الرزق، كمظهر من مظاهر رحمته، بما يرحم الله به عباده، وما يفيض عليهم من نعمه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} في نداء توبيخٍ وتأنيبٍ وتعريةٍ للموقف المنحرف الذي لم ينطلقوا فيه من حجةٍ، ولم يركنوا فيه إلى أساسٍ، لتكون الحجة عليهم لله في موقف الحساب، لأنهم لا يجدون ما يجيبون به، دفاعاً عن موقفهم الضعيف {وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} عاش أجواء الأمة، وعرف تجربتها، واطَّلع على أفكارها وانتماءاتها وسرّها وعلانيتها، ما يجعله قادراً على تقييم ذلك في نفسه وتفصيله في شهادته. وليست الشهادة لزيادة المعرفة، ولكشف الواقع، بل هي لتأكيد الموقف الحق في وعي المبطلين، وإعلانه على رؤوس الأشهاد، لإظهار الحجة في موقف الحساب، ليعلموا ـ جميعاً ـ عدالة الله في عقاب الكافرين والضالين، {فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} على ما اعتقدتم وأعلنتم من الشرك، ماذا يملك هؤلاء من خصائص الألوهية، وما الذي يؤكد على صحة الدعوى؟! فإن الحقيقة تتبع البرهان القويّ الذي يثبت محتواه باليقين القاطع، ولكنهم لا يجدون جواباً، لأن كل الحجج الواهية التي كانوا يخدعون بها البسطاء، ويوهمون بها أنفسهم، قد تساقطت أمام النور الواضح الذي تشرق ـ من خلاله ـ حقيقة الوحدانية.

{فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} في ما جاءت به رسله، ونزلت به كتبه، وأن ما يزعمونه الباطل {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } فقد تبخّر كل شيءٍ في الفراغ أمام حقائق التوحيد التي تصدم كل أضاليل الباطل، فلا يبقى منه شيء.

وقد يثير البعض سؤالاً، وهو أن وحدانية الله لا تحتاج إلى دليلٍ في يوم القيامة، لأن الوضوح الذي يهيمن على الموقف كله لا يترك مجالاً لأيّة شبهة من أي نوع كان، فكيف يُطلب البرهان على شركهم، لتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ الوصول إلى حالة العلم، بأن الله هو الحق؟

والجواب عن ذلك، أن التعبير هنا واردٌ على سبيل تصوير طبيعة المسألة من خلال توفّر العناصر اليقينية في تأكيد الحقيقة، في انطلاقهم من حالةٍ غير برهانية، أما التعبير بكلمة {فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} فالظاهر أن المراد بها، ظهور هذه المسألة في ذلك الموقف، وكثيراً ما يعبر في القرآن عن ظهور ما يعلمه الله بحصول العلم فيه من جهة إرادة ظهوره، والله العالم.