تفسير القرآن
القصص / من الآية 79 إلى الآية 82

 الآية 79 الى الآية 82

الآيــات

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن منَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (79ـ82).

* * *

معاني المفردات

{حَظٍّ}: الحظ: هو النصيب من السعادة والبخت.

{وَيْلَكُمْ}: الويل: الهلاك، ويستعمل للدعاء بالهلاك، وزجراً عما لا يرتضى، وهو في المقام زجر عن التمني.

{يُلَقَّاهَآ}: التلقية: التفهيم، والتلقي: التفهم والأخذ.

{وَيَقْدِرُ}: بسكون القاف: يضيق.

* * *

قارون يستعرض زينته فيسقط ضعفاء الإيمان

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ} في حركةٍ استعراضية، يحاول من خلالها أن يبهر عيون الناس بقوته المالية، مما يمنحه قدرةً على إظهار مظاهر الأبّهة والزينة والجمال، من الثياب التي يلبسها، والخيول التي يركبها ويستعرضها، والخدم الذين يحيطون به ويخدمونه، وما إلى ذلك ممّا يملكه أصحاب الأموال الكبيرة، ليخضع الناس لهم كهؤلاء الذين يخضعون للثراء ولزخارف الحياة وبهارجها، لأن الحياة الدنيا عندهم هي كل شيءٍ، فهي القيمة والهدف في وجودهم.

{قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} الذين بهرتهم زينة قارون، ورأوا فيها عظمة القوّة وكانت هي كل غايتهم في الحياة، في ما يسعون إليه ويطلبونه، فلا يرون وراءها غايةً مما ينتظر الإنسان في الدار الآخرة عند الله. وبهذا انطلقت تمنياتهم في تنهّدةٍ طويلة: {يا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} فقد بلغ هذا الرجل غايته، فيا ليتنا نبلغ مثل هذه الغاية التي هي منتهى السعادة! ولكن المسألة مسألة حظٍ ونصيب، وقد حصل قارون على الحظ العظيم دوننا، فيا لسعادته الكبرى.

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ} من الناس الذين نفذوا إلى حقائق الأمور بعلمهم، وعرفوا نهاياتها بإيمانهم، واستطاعوا الوصول إلى النتيجة الحاسمة التي تؤكد للإنسان أن الدنيا بكل قوتها وزينتها عرض زائل، لا يملك معه الإنسان ثباتاً وعمقاً وامتداداً، وكان قولهم لهؤلاء البسطاء الذين يريدون الحياة الدنيا وحدها، في غفلةٍ عن الآخرة {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} فهو الضمانة الوحيدة للخلاص، لأنه هو الذي يتعهد الإنسان في حياته في ما يتعهده من النعم والرعاية والخير الكبير، وهو الذي ينتظره في الآخرة ليدخله جنته، وليمنحه رحمته ورضوانه، ليعيش النعيم الخالد الذي لا فناء فيه، {وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ} الذين يصبرون على نوازع أنفسهم وشهواتها وعلى تحديات الآخرين واستعراضاتهم، وعلى انتظار الغاية الباقية في أجواء الأوضاع الفانية، وعلى مرارة الآلام التي تصيبهم من خلال مواقفهم، وعلى قسوة الحياة الصعبة في مواقع رضى الله، وعلى مواجهة المسؤوليات الكبيرة من عمق الإرادة الإيمانية وصلابة العقيدة، لأن التحرك في مواجهة التيار القويّ المندفع، يحتاج إلى قوّة التحمُّل لتلقِّي ضربات التيار، والصابرون وحدهم هم الذين يواجهون تيارات الكفر والضلال والطغيان المندفعة إلى حياتهم لإبعادهم عن طريق الله.

* * *

خسف الأرض بقارون

{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ} بعد أن بلغ بالتمرد غايته، وتحدَّى الله بغوايته، فلم يبق منه شيء في الدنيا، فدفن في الأرض قبل أن يموت، {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ} من هؤلاء الذين كانوا يخضعون له ويتزلفون إليه ويعاونونه على مواجهة أعدائه، وعلى تحقيق رغباته، لأن المسألة الآن هي مسألة قوّة الله في عقاب عدوّه، فماذا يملكون من قوّةٍ أمام الله؟ {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ} لأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكيف يمكن أن ينتصر لنفسه من الله؟!

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} فقد شاهدوه وهو ينزل بجسده إلى الأرض ويستغيث ولا مغيث له، ورأوا بعقولهم، أن المال لا يغني عن صاحبه شيئاً أمام إرادة الله، لأن الله هو الذي يملك الأمر كله في العطاء والأخذ، والموت والحياة. وهكذا بدأوا الرجوع إلى الحقيقة التي فرضت نفسها عليهم، وهي أن الله وحده هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، وأن الناس لا يملكون من أمرهم شيئاً إلا في ما ملّكهم الله إيّاه.

وكلمة (وي) مفصولة عن كلمة (كأن) وهي كلمة تنبّه على الخطأ والتندّم، ومعناها أن القوم قد تنبهوا إلى خطأهم في تمنيهم. أمّا التعبير عن الفكرة الصحيحة بكأن، فربما يكون خاضعاً للإعلان عن الصدمة التي تلقّوها في مسألة مصير قارون التي هزّت قناعاتهم، فبدأوا يتراجعون تدريجياً، ما يجعل التعبير على سبيل التشبيه الذي يوحي بالاحتمال القريب جداً. وهو تعبير متعارف في ابتداء انكشاف الحقيقة، التي كان يُرى خلافها، للإنسان، فيقول بعض الناس في ما كانوا ينكرونه، كأن المسألة كانت على غير ما نعتقد؛ والله العالم.

ويقول صاحب الكشاف، إن هذا المعنى في كلمة (وي) هو مذهب الخليل وسيبويه، واستشهد عليه بقول الشاعر:

ويْ كأن من لم يكن له نشب يحبـ ـب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ

وبما نقله الفراء، أن أعرابية قالت لزوجها: أين ابنك؟ فقال: وي كأنه وراء البيت.

وعند الكوفيين، أن ويك بمعنى ويلك[1].. ويكون المعنى ألم تعلم أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر.

{لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } فلم يجعلنا مثل قارون في موقعه وفي ذهنيته وسلوكه {لَخَسَفَ بِنَا} كما خسف به {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} كيف فكرنا بهذه الطريقة، وكيف قلنا ما قلناه مما لا مصلحة لنا فيه، كأن المسألة التي تقارب الصواب، هي أن الكافرين لا يفلحون في الدنيا والآخرة، لأنهم انفصلوا عن الله الذي بيده ـ وحده ـ النجاح والفلاح.

ــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير الكشاف، ج:3، ص:192ـ193.