تفسير القرآن
لقمان / من الآية 1 إلى الآية 5

 من الآية 1 الى الآية 5

الآيــات

{ألم* تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخرةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1ـ5).

* * *

آيات الكتاب هدى ورحمة للمحسنين

{الم} من الحروف المقطّعة في القرآن، وقد تقدّم الحديث عنها في سورة البقرة، {تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} الذي ينطلق في تخطيطه للعقيدة وللحياة على أساس الحكمة التي تضع لكل شيء حدوداً تتصل بخصوصياته وتتحرك في اتجاه غاياته الخيّرة السليمة، ولذلك فإن من المفروض أن يلتمس الناس في آياته القواعد الفكرية والعملية التي تركز حياتهم على أسس ثابتةٍ متينةٍ، {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ} فهي التي تشق للحياة درب الفكر المتّزن العميق في آفاق القيم الروحية في الدائرة الإنسانية. وبذلك يمكن للإنسان أن يجد فيها الهدى الذي يكفل له النجاة في الدنيا والآخرة. وهي التي تتفجر في إيحاءاتها بالمشاعر الروحية الحميمة التي تنمّي الروح المنفتحة على آلام الناس في مشاكلهم الخاصة والعامة بالمستوى الذي تتحول فيه المسؤولية إلى حالةٍ شعوريةٍ في العمق الداخلي من الشخصية، تماماً كما هي حالةٌ فكريةٌ وإيمانيةٌ، لتوحّد التوجه الإنساني إلى التكامل والتوحّد في القضايا المشتركة. إنها الآيات الحيّة التي تتحسس وتنفعل وتوحي بالفكر وبالخير والرحمة، وتثير الصفاء والنقاء في الحياة كلها، من أجل الإنسان الذي يتحوّل في أفكاره ومشاعره وخطواته في الحياة ليكون إنسان الله في كل شؤونه وأوضاعه.

ولكن الهدى في كل موقعٍ من مواقعه، والرحمة في كل أفقٍ من آفاقها، لا يتحققا إلا للذين ينطلقون من القاعدة التي يمتدان منها ويتحركان في مجالها، وهي القاعدة الإيمانية التي يلتقي فيها الإنسان بربه في خط العقيدة والحياة، فيلتقي من خلاله بكل هدى ورحمة، لأن الله هو الربّ الهادي الرحيم الذي يهتدي بهداه ويعيش في رحمته عباده المؤمنون المحسنون في أجواء العقيدة والسلوك.

* * *

صفات المحسنين

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاةَ} في حركة الروح في العبادة {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} في دائرة العطاء في الروح {وَهُمْ بِالآخرةِ هُمْ يُوقِنُونَ} اليقين بالغاية التي يواجه فيها الناس نتائج المسؤولية بين يدي الله، ليتحركوا في خط المسؤولية في الحياة.

{أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} في دينه وشريعته ومنهجه، مما يؤهلهم لقيادة الحائرين الضالين الذين يبحثون عن مواقع النور الإِلهيّ ليخرجوهم من كهوف الظلام الفكري والروحي والعملي.

{وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الذين أخذوا بأسباب الفلاح عندما أخذوا بأوامر الله ونواهيه، وساروا إليه في خط التقوى والإيمان.

ــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير الميزان، ج:16، ص:227.