تفسير القرآن
لقمان / من الآية 10 إلى الآية 11

 من الآية 10 الى الآية 11

الآيتـان

{خَلَقَ السَّمَواَتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الاَْرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ* هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ} (10ـ11).

* * *

مظهر عزة الله وحكمته

ما هو مظهر العزّة والحكمة في ذات الله سبحانه؟

إنّ هاتين الآيتين تجيبان عن السؤال بطريقة خاصة، وتطرحان التحدي ضد المشركين الذين اتخذوا إلهاً من دونه؟

* * *

خلق السموات بغير عمد

{خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ} في ما يمثله ذلك من قدرةٍ في هذا التماسك الذي يمنحها الثبات في مواقعها في فضاء الفراغ من دون ركائز وأعمدةٍ، في ما اعتاده الناس من حاجة البناء العلويّ إلى أعمدة في أعماق الأرض الثابتة، فكيف حدث هذا، هل هناك غير القدرة الإلهية التي تخلق القوانين الكونية الحاكمة على النظام الكوني في قانون الجاذبية وغيره؟

ويمكن أن يكون قوله: «ترونها» قيداً توضيحياً لتأكيد المعنى، على أساس نفي وجود الأعمدة من موقع عدم رؤيتهم لها، ويمكن أن يكون قوله قيداً احترازياً لنفي الأعمدة المرئية في مقابل الأعمدة غير المرئية، والأول أظهر.

* * *

خلق الجبال في الأرض

{وَأَلْقَى فِي الاَْرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} وهي الجبال التي قد تشارك في منع الأرض من الاهتزاز، {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} مما خلقه الله من الحيوان الذي يختلف حاله بين من يمشي على رجلين، وبين من يمشي على أربع، ومن يمشي على بطنه، لتتحرك الحياة على الأرض فتمنحها الحيوية والحركة، {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً} يمنح الأرض والإنسان والنبات الحياة، {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} وهو ما يتمثل في قانون الزوجيّة في النبات الذي يختزن العطاء والمنافع التي يقدمها للإنسان وللحيوان.

{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} في عظمته وإبداعه وروعة الأسرار المعجزة فيه، {فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} من مثل ذلك ومما هو دونه، إن كانوا آلهةً كما تزعمون، وماذا يمثلون في ذواتهم من قوّةٍ وعلمٍ وتدبير، فإذا لم يكن لهم شيءٌ من ذلك، فكيف تزعمون أنهم شركاء لله؟ ولكن المشكلة أنكم لا تركنون ـ في ما أنتم فيه ـ إلى فكر، ولا ترجعون إلى علم، بل تركنون إلى أهوائكم، وتتحركون في جهالتكم، وبذلك كنتم تتخبطون في الظلمات وتنطلقون في متاهات الضياع.

{بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} من خلال فقدانهم للأسس التي ينطلقون منها لتكوين قناعاتهم الفكرية، ولتثبيت قواعدهم الروحية، ليهتدوا إلى الطريق المستقيم الذي يصل بهم إلى معرفة الله والحصول على رضاه، فقد ظلموا أنفسهم عندما استغرقوا في أجواء الجهل والظلام.