تفسير القرآن
لقمان / من الآية 33 إلى الآية 34

 من الآية 33 الى الآية 34

الآيتـان

{يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ* إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الاَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِير} (33ـ34).

* * *

استحضار أهوال القيامة

{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ} وراقبوه في أعمالكم في السرّ والعلانية، من خلال الإحساس بحضوره في كل شيءٍ، فإنه الحضور الذي لا حضور مثله، في ما يتمثل به من كل خلقه الذين يدلّ وجودهم على وجوده {وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} وهو يوم القيامة الذي يقف فيه كل إنسان أمام مسؤوليته الفردية وجهده الذاتي، فلكل واحدٍ عمله الذي يجزى به، وليس لأحدٍ أيّ قدرةٍ على التدخل في تخليص غيره حتى في أشد العلاقات حميميّةً وقوّةً، مثل علاقة الوالد بولده وعلاقة الولد بوالده فلا يملك أحدهما أن يتدخل لمصلحة الآخر، ولا يغني عمل أحدهما عن عمل الآخر، ما يفرض على الناس في الدنيا أن يدرسوا خلاصهم من مواقع أعمالهم، لا من مواقع علاقاتهم، لأنهم سيُعرضون جميعاً على الله، وسيقفون بين يديه للحساب الدقيق في كل صغيرةٍ وكبيرة.

{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فلا يخلف الله وعده، فهو الصدق كله، والثبات كله، فالتزموا الخط الذي يرفع درجاتكم فيه ويرفع مواقعكم عنده {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} في ما تشتمل عليه من لذات وشهوات ومالٍ وجاهٍ وسلطان، لتوحي إليكم بالخلود فيها، والركون إليها، والاستسلام لأوضاع الاسترخاء فيها {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وهو الشيطان الذي يخدعكم عن أنفسكم ويجركم إلى مهاوي الهلاك، ويوحي إليكم بأنها مواقع النجاة، فيزين لكم القبيح حسناً والحسن قبيحاً، ويمدّ لكم الآمال حتى لا تفكروا بموت، ولا تنتظروا آخرة.

{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} التي تموتون فيها، وتبعثون فيها {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} لأنه هو الذي أودع في الكون قوانين نزول المطر، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الاَْرْحَامِ} لأنه هو الذي خلقه. وإذا كان بعض الناس قادراً على إنزال الغيث في بعض الأحوال، فإنه لم ينطلق من إرادةٍ ذاتيةٍ وقدرةٍ شخصية، بل كان ذلك ناشئاً من الأخذ بالأسباب التي جعلها الله سبباً لنزول الغيث، في ما يمكن أن يكون بأيدي الناس منها، وإذا كان البعض يستطيع أن يعلم ما في الأرحام، فإنه ناشىء من الأخذ بأسباب العلم بذلك من خلال ما علّمه الله للإنسان من معرفة الأشياء، مما لا يتنافى مع استقلال الله بعلمه من خلال ذاته {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} لأنها لا تدري بالظروف والأسباب التي يحملها الغد للإنسان في سعادته وشقائه وهلاكه وبقائه، {وَمَا تَدْري نَفْسٌ بِأيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} لأن الإنسان لا يملك القدرة على حماية حياته من الأسباب الخفية أو الظاهرة للموت، فلا يعرف من خلال ذلك الأرض التي يموت فيها، ولكن الله هو الذي يعلم أمر ذلك كله، لأنه المحيط به من كل جوانبه وخصائصه {إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِير} فإذا كان الله يعلم دقائق الأمور وخفاياها، وهو الذي يملك حساب كل شيء فيها، فلا بد من الانسجام مع تقواه.