الآية 6
الآيــة
{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} (6).
* * *
النبي(ص) أولى بالمؤمنين من أنفسهم
{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} كيف نفهم هذه الأولوية التي يملك فيها النبي من المؤمنين ما لا يملكونه من أنفسهم، فقد أثير في تفسيرها أكثر من احتمال.
* * *
معنى أولوية النبي(ص)
ذكر صاحب تفسير الميزان، أن «معنى الأولوية هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أولى منه، فالمحصّل أنّ ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والكلاءة والمحبة والكرامة واستجابة الدعوة وإنفاذ الإرادة، فالنبي أولى بذلك من نفسه، ولو دار الأمر بين النبي وبين نفسه في شيء من ذلك، كان جانب النبي أرجح من جانب نفسه.
ففيما إذا توجّه من المخاطر إلى نفس النبي فليقِه المؤمن بنفسه ويفدِه نفسه، وليكن النبي أحبَّ إليه من نفسه وأكرم عنده من نفسه، ولو دعته نفسه إلى شيء والنبي إلى خلافه، أو أرادت منه نفسه شيئاً وأراد النبي خلافه، كان المتعين استجابة النبي(ص) وطاعته وتقديمه على نفسه.
وكذا النبي(ص) أولى بهم في ما يتعلق بالأمور الدنيوية أو الدينية، كل ذلك لمكان الإطلاق في قوله: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[1].
وذكر بعض آخر: أن المراد أنه أولى بهم في الدعوة، فإذا دعاهم إلى شيءٍ ودعتهم أنفسهم إلى خلافه، كان عليهم أن يطيعوه ويعصوا أنفسهم، فتكون الآية في معنى قوله: {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} [النساء: 59].
وذكر بعض آخر: أن المراد أن حكمه فيهم أنفذ من حكم بعضهم على بعض، كما في قوله: {فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النور:61]، ويؤول إلى أن ولايته على المؤمنين فوق ولاية بعضهم على بعض، المدلول عليه بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} [التوبة:271][2].
والظاهر من سياق الآية أنها لا تتحدث عن جانب التعاطف الذي يكلِّف المسلمين بتقديم أنفسهم فداءً عن نفسه إذا دار الأمر بينهم وبينه، وليست في مقام الأمر بطاعتهم له، أو في مقام تفضيل حكمه على حكم بعضهم على بعض، بل هي في مقام إثبات الولاية له عليهم، بحيث يملك منهم ما لا يملكونه من أنفسهم، لتأكيد جانب الحاكمية عليهم من قِبَله في ما جعله الله له من ولاية إلى جانب ما جعله له من النبوّة، وذلك من خلال التعبير عن المسألة من خلال فاعليته فيهم وسلطته عليهم بأكثر من سلطتهم على أنفسهم. وبذلك نلاحظ أن الآية لا توحي بالإطلاق الذي يفهمه صاحب الميزان، والله العالم.
* * *
أزواج النبي(ص) أمهات المؤمنين
{وَأَزواَجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} في الجانب التشريعي من حيث حرمة نكاحهن من بعده وضرورة تعظيمهن، وذلك في ما جاء التصريح به في قوله تعالى: {وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} [الأحزاب: 53].
والظاهر أن المسألة تقتصر على ذلك، فلا تشمل آثار الأمومة من حيث التوارث أو جواز اللمس أو النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، أو حرمة بناتهن على المؤمنين، أو اعتبار إخوانهن وأخواتهن أخوالاً وخالات للمؤمنين ونحو ذلك، فإن الكلمة وإن كانت مطلقةً، إلا أنها تختص بما ذكرناه انطلاقاً من النصوص الواردة في الموضوع.
* * *
أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض
{وَأُوْلُو الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} وذلك في مسألة التوارث التي كان التشريع الأوّل في الإسلام يجعلها على أساس المؤاخاة الدينية، في ما جعله النبي(ص) بين المؤمنين والمهاجرين من المؤاخاة، حيث آخى بين كل شخص وشخص آخر، فكانا يتوارثان، فجاءت هذه الآية ناسخة لذلك ليعتبر أن القرابة النسبية أولى، في ما فرضه الله في كتابه من التشريعات المفصلة في الإِرث، فلا يرث مؤمن من مؤمن إلا على هذا الأساس {إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً} بالوصية إليهم بما تحبون من المال {كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُوراً} في ما قرره الله من الوصية بالمعروف.
ـــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الميزان، ج:16، ص:282.
(2) (م.ن)، ج:16، ص:282ـ283 [بتصرف].
تفسير القرآن