من الآية 41 الى الآية 44
الآيــات
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً* تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} (41ـ44).
* * *
معاني المفردات
{بُكْرَةً}: الغداة.
{وَأَصِيلاً}: الأصيل: العشي.
* * *
دعوة الله المؤمنين لذكره وتسبيحه
هذه الدعوة الإِلهية للمؤمنين ليلتقوا به، ويعيشوا في رحابه بالذكر الدائم، والتسبيح المتواصل، الذي يشمل الزمن كله ويحتوي كل أطرافه، وليستظلّوا بظل رحمته، ولينفتحوا على ألطافه، وليحصلوا على ثوابه.
* * *
الانفتاح على الله بالذكر والتسبيح
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} سواء كان ذلك بالقلب في ما يستشعره المؤمن من حضور الله في عمق شعوره ونبض حركته، أو باللسان في ما يتلفظ به من كل كلمات حمده، التي تتضمن أسرار عظمته، ومواقع نعمته، ليبقى مع الله في حالة حضورٍ واعٍ مستمرٍّ، فيقف من خلال ذلك، حيث يريده الله أن يقف عند حدوده، ويتحرك حيث يريده أن يتحرك في دائرتها الشرعية.
{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} والتسبيح يوحي باستجلاء عظمته بالفكر في ما ينطلق به السمع والبصر والعقل، ليتحرك من خلال حركة المحسوس للوصول إلى ما وراءه من المعقول في أسرار العظمة، وإِبداع القدرة، أو إحصاء آلائه بالكلمات التي تتحول فيها المعاني إلى تسابيح تنفتح على كل آفاق عظمته التي لا تقف عند حدّ، لأن ذلك هو الذي ينمي الشعور بعظمة الله في عقل المؤمن وقلبه وشعوره، وفي ما يجسده من هذا كله في كلماته وأفعاله وإيماءاته، في حركاته وسكناته، وذلك في امتداد الزمن كله، عندما يصبح الصباح في بكور النهار، وعندما يبدأ المساء في خيوطه الأولى عند الأصيل، ليعيش الإنسان مع الله في عظمته في أوّل النهار، ليكون نهاره كله خضوعاً روحياً وعلمياً لحركة العظمة في النفس، وليعيش في الموقع نفسه في أوّل الليل، ليكون ليله انطلاقاً مع الهدوء الساجي، والكواكب السابحة في الفضاء، والقمر المطلّ على الكون بنوره الهادىء، ليجد الله في ذلك كله، ولتتعمق روحانيته في عمق ذلك كله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} بأن يرحمكم برحمته التي يدخلكم من خلالها جنته، في ما يوفقكم إليه من طاعته {وَمَلائِكَتُهُ} الذين يطلبون لكم الرحمة والمغفرة، وذلك في ما تتضمنه كلمة الصلاة من معنى الانعطاف المنفتح على الشخص في رعايته وعنايته {لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} في ما يفتح عليه قلوبكم من الوعي للحقيقة، والانفتاح على الإيمان، والانطلاق إلى مواقع الهدى المتحرك في آفاق النور، ويبعدكم بذلك عن ظلمات الجهل والنسيان والكفر والضلال.
{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} في لطفه بهم ورعايته لهم وعنايته بهم في الدنيا والآخرة.
* * *
تحيتهم يوم يلقونه سلام
{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} في لطفه بهم ورعايته لهم وعنايته بهم في الدنيا والآخرة.
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} فهي الكلمة التي يتلقاهم بها الملائكة من قِبَل الله لتوحي إليهم بالطمأنينة والاستقرار والهدوء والوداعة الروحية التي يحسّون فيها روحانية السلام الآمن المطمئن الذي لا يصيبهم في ساحته أيّ مكروه، ولا يمسهم فيه عذاب، ولا يتحرك في قلوبهم معه أيّ خوف.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} في ما أعدّ لهم من نعيم الجنة وثوابها، ومن رضوانه الذي يطوف بهم في رحاب الخلود، ليجدوا السعادة الكاملة هناك.
تفسير القرآن