تفسير القرآن
الأحزاب / من الآية 45 إلى الآية 48

 من الآية 45 الى الآية 48
 

الآيــات

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً* وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً* وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} (45ـ48).

* * *

إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً

إنه نداء الرسالة في مضمونها، ونداء الرسول في حركته ودعوته وبشارته وتمرّده على الواقع المضادّ كله في كل رموزه، وانفتاحه على الله وحده، ليكون هو الذي يملأ الروح الرسوليّ بالثقة التي تثبت الموقع والموقف والحركة والاتجاه في كل ساحات التحدي.

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} على الناس في ما تبلغهم به من تعاليم الرسالة، وما يمارسونه من حركتهم في اتجاهها سلباً وإيجاباً، لتقف غداً يوم القيامة، لتقدِّم تقريرك في ذلك كله إلى الله، ليكون الوثيقة التي يقيم بها الحجة عليهم {وَمُبَشِّراً} بالجنة لمن أطاع الله {وَنَذِيراً} بالنار لمن عصاه.

{وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} فهو الذي أذن لك بالدعوة من موقع الرسالة الشاملة المنطلقة في خط التوحيد، في الإيمان بالله وعبادته والاستقامة على خطه من خلال الشريعة السمحاء {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} في ما يضيء به الطريق للناس نحو السعادة الروحية، لتشرق أرواحهم بالإيمان وحياتهم بالإسلام.

{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} الذين تدفعهم إلى خط الالتزام بأوامر الله ونواهيه، وتوجّههم إلى مواقع الجهاد {بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً} في ما يتفضل به عليهم من ثوابه، ويفيض عليهم من رحمته، ويرفع لهم من درجاته في الآخرة. إنها البشارة الدائمة للعاملين المجاهدين في خط الإيمان، التي لا تتحرك من الأماني الفارغة، بل تنطلق من الأعمال الواعية المنضبطة.

{وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} في ما يريدونه منك من الانحراف عن الخط الذي رسمه الله لك، بالتسويات القائمة على الاعتراف بشيءٍ مما عندهم ليعترفوا بشيءٍ مما عندك، أو في ما يحبونه منك من اتِّباع أهوائهم، والانجذاب إليهم في ما يتحركون به من إغراءات الحياة الدنيا وزخارفها، بالأساليب المتنوعة المثيرة الخادعة التي تثير الغرور في الأعماق.

{وَدَعْ أَذَاهُمْ} فلا تهتم بذلك ولا تشغل نفسك به، ولا تحمل أيّ همٍّ من هذه الجهة، فإنهم لن يعرضوا لك بسوء ما دمت في حماية الله ورعايته وكفالته، {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في كل أمورك، واتَّجه إليه في كل خطواتك، وانفتح عليه في كل مواقع الاهتزاز ليمنحك الثبات في كل مواقعك، فإنه الثقة لمن أراد الثقة منه، والأمن لمن أراد الأمن، والوكيل لمن أراد الكفالة منه {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}.