تفسير القرآن
الأحزاب / من الآية 50 إلى الآية 52

 من الآية 50 الى الآية 52

الآيــات

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً* تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً* لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً} (50ـ52).

* * *

معاني المفردات

{تُرْجِي}: الإرجاء: التأخير.

* * *

مناسبة النـزول

وقد جاء في الكافي مسنداً عن محمد بن قيس عن أبي جعفر محمد الباقر(ع) قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله(ص): فقالت: يا رسول الله إن المرأة لا تخطب الزوج وأنا امرأةٌ أيّم لا زوج لي منذ دهر ولا ولد فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني. فقال لها رسول الله(ص) خيراً ودعا لها.

ثم قال: يا أخت الأنصار، جزاكم الله عن رسول الله خيراً، فقد نصرني رجالكم ورغبت فيَّ نساؤكم. فقالت لها حفصة: ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك للرجال، فقال: رسول الله(ص): كفي عنها يا حفصة، فإنها خير منك، رغبت في رسول الله فلمتها وعيبتها، ثم قال للمرأة: انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك فيَّ وتعرضك لمحبتي وسروري وسيأتيك أمري إن شاء الله، فأنزل الله عز وجل {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْاَجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} قال: فأحلَّ الله عز وجل هبة المرأة نفسها لرسول الله(ص) ولا يحل ذلك لغيره[1].

* * *

أحكام خاصة بالنبيِ(ص) في الزواج والطلاق

في هذه الآيات حديث عن بعض جوانب الحياة الخاصة للنبي محمد(ص) في طبيعة التشريع الإسلامي المتصل بالدائرة التي يجوز له فيها اختيار زوجاته، مما قد يُعتبر في بعضها نوعاً من خصوصياته التي لا تجوز لغيره، بالإضافة إلى ما يشترك فيه مع الآخرين.

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي دفعت مهورهن، لإِطلاق الأجر على المهر في موضع آخر من القرآن، {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} من النساء اللاّتي يدخلن في أسر المسلمين خلال حربهم مع المشركين ممن يصح تملُّكهن، وقد أباحهن الله للنبي وللمسلمين من دون تقييد بعددٍ معيّن.

{وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} دون اللاتي لم يهاجرن في ما ذكره صاحب المجمع من أن «هذا كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل»[2].

{وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وهي المرأة التي قدّمت نفسها من دون مهرٍ للنبي ليتزوجها، فقد أحلّها الله له ولم يحل ذلك لغيره.

{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ} في ما حدده من العدد المحصور بالأربع، {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في ما وضعه من شروط في نكاح الجواري.

{لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً* تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} فتؤخرها وتبعدها عنك في هجرانها مدّة تبعاً لظروفك الخاصة والعامة، الداخلية والخارجية، {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ} أي تقربها إليك وتعاشرها من خلال طبيعة المعطيات التي تتحرك فيها أفعالك وعلاقاتك، وليس ذلك الأمر حتماً مقضياً لازماً لك بحيث لا تستطيع الرجوع عنه، {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فتعود لتعاشرها من جديد، أو تهجر من عاشرتها، لأن المسألة هي أن الله يريد أن يطلق لك حريتك من خلال تشريعه الخاص في حياتك، لتكون أكثر حرّية في شؤون بيتك من دون ابتعاد عن خط الشرع الذي جعلته الخط المستقيم في حياتك وحياة الناس، في ما تفرضه الرسالة من ذلك.

{ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} لأنهن يشعرن بأن الله عندما جعل الأمر إليك، فإنه جعل لهن ضمانةً كبيرةً في الحصول على الحياة الكريمة الرحيمة، والمعاملة الحسنة، والميزان العادل الذي لن تختار فيه إلا ما يحقق لهن الرضا والطمأنينة وقرّة العين، لأن إنسانية الرسالة في عمق شخصيتك، وروحانية الشعور الرحيم في قلبك، لا تتحركان إلا بالخير كله، والإحسان كله، والعدل كله.

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ} في ما تختزنه من مشاعر وأحاسيس، ويرصد طبيعة التوازن في التحرك العملي الذي يحكم مسيرة الإنسان في علاقاته مع الآخرين في طبيعة القرب والبعد، ويحدّد لهم من ذلك ما يفرض عليهم التقيد بحدود العدل، وما يصلح به أمرهم.

{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً} فهو العالم بمصالح عباده، الحليم الذي لا يعالجهم بالعقاب.

{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ} فهذا هو العدد النهائي الذي يسمح لك بالوقوف عنده من النساء، وهن تسعٌ {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} بأن تطلقهن وتتزوج غيرهن {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} فقد يكون من حق النبيّ كبشر أن يتحسس ما يتحسسه البشر من مشاعر الرغبة في الجمال، والإِعجاب بالحسن فيمن يريد أن يتزوجها بالطرق الشرعية المعروفة، ولكن المسألة هي أن الله قد أغلق هذا الباب عليه بعد نزول هذه الآية، وقد نستوحي من هذه الآية أن مراعاة الجمال في الزواج ليس من الأمور البعيدة عن ذوق الشرع، ولكن الاقتصار عليه كقيمةٍ وحيدةٍ هو المرغوب عنه شرعاً، في ما يريده الله للإنسان من التوفر على إثارة الدين والأخلاق كأمرين مهمّين في هذا الجانب، {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} فلا مانع من أن تضمها إليك وتستمتع بها {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيباً} فهو الذي يرصد أعمال عباده ويراقبها من حيث لا يعلمون.

ــــــــــــــــــــــــ

(1) الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، ج :5، ص:568. رواية:53.

(2) مجمع البيان، م:4، ص:472.