تفسير القرآن
الأحزاب / من الآية 63 إلى الآية 69

 من الآية 63 الى الآية 69
 

الآيــات

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً* إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً* يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ* وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا* رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَى فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} (63ـ69).

* * *

معاني المفردات

{وَجِيهاً}: عظيم القدر، ورفيع المنزلة.

* * *

الكافرون يلعنون ساداتهم وكبراءهم يوم القيامة

{يَسأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} في سؤال متكرّر يثيره الفضول الذي يلاحق الخصوصيات ليعرفها، ليملأ به فراغ النفس، بعيداً عما إذا كان الموضوع ضرورياً أو غير ضروريّ، في حاجة الفكر إلى المعرفة التي تغذيه بالنافع الجيد من الأفكار، أو يثيره التحدي، في ما كانوا يواجهون به النبي من الحديث عن التحديد الزماني ليوم القيامة، ليدخلوا معه في جدالٍ آخر، حول طبيعة التوقيت وخصوصياته. ولم يرد الله للرسول أن يدخل معهم في هذا الجدل الفارغ الذي لا يؤدي إلى نتيجة في حاجتهم إلى المعرفة من جهة العقيدة، أو من جهة العمل.

{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } فهو الذي يعلم حدودها التي لا يريد أن يبيّنها لأحدٍ حتى لخاصَّة عباده الصالحين، لأن غموضها في الزمن ينطلق من حكمةٍ إلهية تريد من الناس أن يترقبوها ترقب المفاجأة الصاعقة لهم {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } فأنت والناس سواء في عدم العلم بها وفي ضرورة الانتظار القريب لها، في ما يمكن أن يقترب من وقتها بشكلٍ مفاجىء.

* * *

أحوال الكافرين في جهنم

{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} لأن ذلك هو جزاء الكفر الذي لم يرتكز على قاعدة من علمٍ وفكرٍ، بل ارتكز على عقدةٍ ذاتيةٍ ضد الأنبياء والمصلحين، وعلى عنادٍ حاقدٍ متحجّرٍ في الإِصرار على عقيدة الكفر التي توارثوها من الآباء والأجداد، فلا يملكون حجّة على موقفهم، ما جعلهم في الموقع الذي يجلبون فيه الضرر لأنفسهم وللبلاد والعباد.

{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} فتتحول من حالٍ إلى حال، فتصفرُّ تارةً وتسودّ أخرى، أو تنتقل من جهةٍ إلى أخرى، كما هو اللحم المشويّ عند مسّ النار له.

* * *

إعـلان النـدم

{يَقُولُونَ يا لَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ} فقد جاءنا الرسول بآيات الله، وعرّفنا مواقع أمره ونهيه، وما يرضيه ويسخطه، مما يصلح أمورنا ويبعدنا عن الفساد، ولكننا تمردنا وعصينا، من غير وعيٍ للنتائج، ولا تقدير للموقف.

* * *

إضلال السادة الكبار المستضعفين

{وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا} الذين كانوا يسيطرون على مقدراتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية، ويملكون الضغط علينا فكرياً وعملياً، في ما يضلِّلونا به من العقيدة، وما ينحرفون بنا من الخط، فنخضع لضغوطهم كما يخضع كل ضعيفٍ لأيّ قويٍّ، من خلال حاجاته الموجودة عنده، ونقاط ضعفه المتحكمة فيه {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} فانحرفنا عن صراطك المستقيم، وابتعدنا عما أردتنا أن نسير فيه {رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} لأنهم ضلوا في أنفسهم وكانوا السبب في ضلالنا {وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } لأن جريمتهم لا تنحصر في مواقعهم، بل تمتد إلى مواقع غيرهم من المستضعفين المسحوقين.

وهكذا نرى القرآن يؤكد في أكثر من آية على أن من أسباب الانحراف الشعبي سيطرة المستكبرين من طغاة المال والسلاح والسياسة، ما يوحي إلى الضعفاء أن لا يستسلموا للضعف الذاتي الذي يستغله أولئك في عملية التحكم والإِضلال، بل أن يعملوا على استنفار نقاط القوّة الكامنة في شخصياتهم، ليكونوا الأقوياء الذين يسقطون القوّة الغاشمة التي تقهر حريتهم وتصادر إنسانيتهم وتضعف مواقعهم. وتتنوع الأساليب القرآنية في عملية الإيحاء والإِثارة، لتقديم الصورة المعبّرة بكل ملامحها المثيرة في يوم القيامة، فتعرض كيف يرى المستضعفون الذين لم تقفل كل السبل والمخارج في وجوههم، لكنهم آثروا الإدغان والاستسلام، َأعمالهم حسراتٍ، وكيف يتبرأ منهم المستكبرون.

* * *

بنو إسرائيل يؤذون نبي الله موسى

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَى} وهم بنو إسرائيل الذين أخرجهم من ظلمات العبودية إلى نور الحرية، حتى إذا ملكوا حريتهم، انقلبوا عليه، وتعقّدوا منه، وبدأوا يثيرون المشاكل في طريقه، وينسبون إليه التهم الباطلة، والأقاويل الكاذبة {فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ} وأظهر كذبهم عياناً {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} في علوّ درجته ورفعة مقامه، وعلوّ شأنه، لثباته في الدعوة إلى الله وإخلاصه في الجهاد في سبيله، وذلك هو السبيل الوحيد الذي يملك فيه الناس الوجاهة عند الله، من خلال الإيمان والعمل.

وهذه الآية خطاب للصحابة الذين كان بعضهم يثير الأقاويل الباطلة حول النبي(ص) كما ذُكر في السيرة مما أثاروه في قصة زواج النبي(ص) بزينب بنت جحش بعد طلاقها من مولاه زيد.

وقد ذكر المفسرون في تفسير إيذاء بني إسرائيل بعض الأحاديث المروية في هذا الشأن التي لا يثبت بها حجة، ولا تتماسك أمام النقد، فليرجع إليها من أحب، ولنجمل المسألة في ما أجمله الله منها، ليكون الحديث حديث المبدأ لا التفاصيل.