الآية 127
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـــة
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَآءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَآءِ الَّلاتي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً}(127).
معاني المفردات
{وَيَسْتَفْتُونَكَ}: يسألونك الفتوى، وهي الجواب عمّا يشكل من الأحكام وتبيينها.
{تَقُومُوا}: القيام هنا العناية والاهتمام.
* * *
ويستفتونك في النساء
كانت النساء كمّيةً مهملة في حساب أهل الجاهلية في الميراث وفي غيره، لأنهن لا يشاركن في تنمية المال أو تحصيله، ولا يدافعن عن العشيرة... وجاء الإسلام بقانون الإرث وغيره من القوانين المتعلقة بحقوقهن، مما تعرضت له هذه السورة في أوائلها وغيرها، كما في سورة البقرة وأمثالها؛ وقد تكون هذه الآية سابقةً على تلك الآيات، فتكون بمثابة دعوةٍ واستفتاء لم يبيّنه الله فيها؛ وربما كانت متأخرةً عنها، فتكون سؤالاً عن الموضوع بعد أن ثار الجدل حوله، لاختلافه مع ما اعتادوه من عاداتهم وشرائعهم؛ فجاءت هذه الآية لتؤكد تلك الأحكام، باعتبار أَن الفتيا فيها من الله سبحانه. وكلا الوجهين محتملان، وإن كان الوجه الأول أقرب إلى مضمون كلمة الاستفتاء، التي تعني الفتيا في أمر لم يسبق لهم معرفة حكمه؛ ولكن بعض الروايات الواردة في التفاسير قد ترجِّح الوجه الثاني؛ فقد ورد في تفسير الميزان حديثٌ مرفوع إلى سعيد بن جبير قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي بلغ أن يقوم بالمال ويعمل فيه، لا يرث الصغير ولا المرأة شيئاً، فلما نزلت المواريث في سورة النساء، شق ذلك على الناس وقالوا: أيرث الصغير الذي لا يقوم في المال، والمرأة التي هي كذلك، فيرثان كما يرث الرجل؟ فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء، فانتظروا، فلما رأوا أَنه لا يأتي حدث قالوا: لئن تمّ هذا، إنه لواجبٌ ما عنه بدّ، ثم قالوا: سلوا، فسألوا النبي(ص)، فأنزل الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَآءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} ـ في أول السورة ـ فِى يَتَامَى النِّسَآءِ الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} الحديث»[1].
{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} ربما كانت هذه الفقرة معطوفة على الضمير في كلمة {فِيهِنَّ} باعتبار أن الفتيا شاملة لما سألوا عنه ولما لم يسألوا عنه في ما يتعلق بالفئات التي قد يحتاج الناس إلى معرفة حكمها من جهة حالة الضعف التي تغري الناس بالاعتداء وبمنعهم من حقوقهم المفروضة لبعض الاعتبارات غير الإنسانية... وعلى هذا، فإن المراد مما جاء في قوله: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} هو ما تقدم الحديث عنه في أول هذه السورة في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ} [النساء:3]، وفي الآيات الأخرى المتعرضة لبعض ذلك..
{فِي يَتَامَى النِّسَآءِ الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} من فريضة الإرث ومن التصرف في مالهنّ، فمنع الله من ذلك، فلم يجعل لأحد أية سلطة عليهن من هذه الجهة، كما جعل الحرية لهن في الزواج وفي الرفض، بعيداً عن أي ضغط. وقد ذكر صاحب تفسير الميزان «أن المراد بقوله: {مَا كُتِبَ لَهُنَّ} هو الكتابة التكوينية وهو التقدير الإلهي، فإن الصنع والإيجاد هو الذي يخدّ للإنسان سبيل الحياة، فيعيّن له أن يتزوج إذا بلغ مبلغه، وأن يتصرف حرّاً في ما له من المال والقنية، فمنعُه من الازدواج والتصرف في نفسه منع له مما كتب الله له في خلقه هذه الخلقة»[2]. ولكن ذلك غير ظاهر من الآية، لا سيّما أن المسألة واردة في مقام بيان الجانب التشريعي من الموضوع الذي قد يكون قرينة على أن المراد من {مَا كُتِبَ لَهُنَّ}، الكتابة التشريعية، بمعنى الفرائض التي فرضها الله لهن؛ والله العالم.{وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ}. ربما قدر بعض المفسرين ـ كما عن صاحب الميزان ـ كلمة (عن)، بأن يكون المراد منها الرغبة عن نكاحهن والإعراض عنهن[3]؛ فإن التعرض لذكر الرغبة عنهن هو الأنسب للإشارة إلى حرمانهن على ما يدل عليه قوله قبله: {لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} وقوله: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ} ولكننا نتحفظ في ذلك، لأن من الممكن أن يكون المراد منها الرغبة في النكاح، مع حرمانهن من حقهن من التصرف في مالهنّ الموروث أو التعسف في فرض الإرادة عليهن، من دون أن يكون لهن أيّ دور في الاختيار، فإن الآية مطلقة من هذه الجهة؛ والله العالم.
{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ} الذين كانوا يمنعونهم من أموالهم التي ورثوها، لأنهم لا يقدمون للعشيرة أيّة قوّة دفاعيةٍ، ولا يمنحونها أي كسب مالي بسبب ضعفهم… {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} ذكوراً كانوا أو إناثاً، لأن الله أراد العدل للضعيف الذي هو أشدّ حاجة إليه من القويّ فهو السبيل الوحيد للحصول على حقه، بينما يملك القوي وسائل أخرى للوصول إلى ذلك.
{وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} وهذا إيحاءٌ بأن التشريعات الإلهية كانت من أجل خير الإنسان، وأن الله أراد له أن يلتمس طرق الخير ليسير عليها، ويحصل على ثوابه من الله الذي يعلم كل شيء، ليجزي الإنسان على كل خير.
ــــــــــــ
تفسير الميزان، ج:5، ص:106 ـ 107.
م.س، ج:5، ص:102.
انظر: م.ن، ج:5، ص:102.
تفسير القرآن