من الآية 12 الى الآية 14
الآيــات
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* يُولِجُ اللَيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطميرٍ* إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءكمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (12ـ14).
* * *
معاني المفردات
{عَذْبٌ}: حلو لذيذ.
{سَآئِغٌ}: سهل المرور في الحلق.
{مِلْحٌ أُجَاجٌ}: شديد الملوحة.
{مَوَاخِرَ}: جمع ماخرة. مخرت السفينة إذا جرت.
{قِطْمِيرٍ}: قشر رقيق على نوى التمر.
* * *
آيات الله ودلائل التوحيد
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـذَا عَذْبٌ} حلو لذيذ {فُرَاتٌ} بارد يروي الظمأ {سَآئِغٌ شَرَابُهُ} يسهل انحداره في الحلق لعذوبته {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} شديد الملوحة أو المرارة {وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} وهو السمك، وقيل السمك والطير البحري {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} من اللؤلؤ والمرجان والأصداف. وقد أثار المفسرون التساؤل حول اختصاص اللؤلؤ والمرجان بالماء المالح، وهو البحر، فلا يوجد منهما شيء في المياه الحلوة في الأنهار، ولكن الظاهر وجودهما فيه كما ذكر في بعض دوائر المعارف، مع ملاحظة أن الحلية التي يتزين بها الناس لا تختص باللؤلؤ والمرجان، فربما تتحقق بغيرهما مما يستعمله الناس من ذلك.
{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} تجري فيه فتشق عباب الماء {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} في ما تتطلبونه من الرزق عن طريق البحر {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} على النعم التي يرزقكم الله إياها.
* * *
مع العلاّمة الطباطبائي في الميزان
وقد ذكر في تفسير الميزان أن في هذه الآية تمثيلاً «للمؤمن والكافر بالبحر العذب والمالح يتبين به عدم تساوي المؤمن والكافر في الكمال الفطري، وإن تشاركا في غالب الخواص الإنسانية وآثارها، فالمؤمن باقٍ على فطرته الأصلية ينال بها سعادة الحياة الدائمة، والكافر منحرفٌ فيها متلبّسٌ بما لا تستطيبه الفطرة الإنسانية وسيعذَّب بأعماله، فمثلهما مثل البحرين المختلفين عذوبةً وملوحةً، فهما مختلفان من حيث البقاء على فطرة الماء الأصلية وهي العذوبة والخروج عنها بالملوحة، وإن اشتركا في بعض الآثار التي ينتفع بها، فمن كلٍّ منهما تأكلون لحماً طرياً، وهو لحم السمك والطير المصطاد من البحر، وتستخرجون حليةً تلبسونها كاللؤلؤ والمرجان والأصداف»[1].
ونلاحظ على ما ذكره، أن الظاهر من الآية ورودها في سياق الحديث عن آيات الله الكونية في ما تمثله من دلائل التوحيد وعظمة القدرة، ولا ظهور لها في ما ذكره من خلال المضمون والسياق.
{يُولِجُ الليْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الليْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى} وهذه هي الظواهر الكونية في حركة الزمن الذي يعيش الإنسان في داخل حدوده، حيث يقصر النهار أو يطول، أو يقصر الليل أو يطول، وحيث تتحرك الشمس والقمر في سير الزمن وفي حياة الإنسان، وفق النظام الكوني الذي أبدعه الله للحياة من خلالهما. ويستمر ذلك في عمق القانون الطبيعي الذي لا يتغير ولا يتبدل، ليكون دليلاً على عظمة الخالق وتوحيده وحكمته.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} الذي تدعوكم الرسالات إلى الإيمان به وحده، لأنه ـ وحده ـ الذي يملك الأمر كله، ويدبر الكون كله. {لَهُ الْمُلْكُ} فلا يملك غيره شيئاً ـ معه ـ {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} من هؤلاء الشركاء المزعومين {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}، وهو القشر الرقيق على نوى التمرة كاللفافة لها، وقيل: الحبة في بطن النواة، وهو وارد على سبيل المبالغة في فقرهم المطلق الذي لا يملكون معه شيئاً، حتى أحقر الأشياء وأقلَّها. {إن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءكُمْ} لا يملكون السمع والوعي والشعور، من الأصنام والأوثان ونحوها، {وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ} لأنهم لا يملكون القدرة على الاستجابة لما تطلبونه منهم من مسائل وحاجات، فهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً، فكيف يملكون لغيرهم. {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} وهو الله الذي يعلم من أمورهم وأمور الحياة، ما لا يعلمه أحد.
ـــــــــــــــــــ
(1) تفسير الميزان، ج:17، ص:27.
تفسير القرآن