تفسير القرآن
فاطر / من الآية 27 إلى الآية 28

 من الآية 27 الى الآية 28
 

الآيتـان

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (27ـ28).

* * *

معاني المفردات

{جُدَدٌ}: جمع جُدة، وهي الطريق والجادة من الألوان المختلفة.

{وَغَرَابِيبُ}: جمع غربيب، الشديد السواد.

* * *

قدرة الله المبدعة

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} فمن أين جاء اختلاف ألوان الثمرات ما دام العنصر المائي ـ الذي هو أقوى العوامل في نموّها وتكوّنها ـ واحداً؟ وكيف حدث التنوّع من موقع الوحدة؟ وإذا كانت العوامل الأخرى المؤثرة فيها مختلفةً في العناصر الكامنة في ذاتها، فيبقى السؤال عن السرّ الكامن وراء اختلاف تلك العناصر، لكن الجواب الذي يلاحق السؤال في كل مواقعه لا يمكن أن يقتصر في ردّ السبب إلى الوحدة الكامنة في أعماق المادّة، فرد الاختلاف في الألوان إلى جانب الاختلاف في الأشكال وغيرها يتمحور حول الله الذي أبدع ذلك كله بقدرته، فهي التي تفسِّر الحقيقة في عمق أسبابها، فالأسباب المباشرة تلامس السطح، وتبقى تبحث عن العمق،{وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} فها نحن نجد الجبال في أشكالها وألوانها أو في طرائقها تتنوع بين ألوان بيض وحمر وسود شديدة السواد، وهذا هو معنى الغرابيب، {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} من اللون الأبيض والأسود والأحمر والأصفر، كما هي الثمرات والجبال، فكيف تنوّعت هذه الألوان؟ ومن أين جاء هذا التنوّع؟

{كَذَلِكَ} خلق الله التنوّع الذي يدل على عظمته وسرّ إبداعه وامتداد قدرته، ما يفرض على الناس أن يفكروا فيه ويتأملوه، ويختزنوه في عقولهم فكراً، وفي قلوبهم شعوراً وحركةً في العبادة تعبر عن الالتزام العملي بالإيمان بالله، فإن النفس لا تعيش الخوف والرهبة والانقياد إلا من خلال شعورها بالعظمة لمن تخافه، أو تنقاد له.

* * *

خشية العلماء من الله

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فهم الذين استطاعوا ـ بعلمهم ـ أن يربّوا خشية الله في قلوبهم عندما عرفوا الله بصفاته وأفعاله، معرفةً تامّةً لا يقترب إليها الريب، ولا يعتريها الشك، فعاشوا الخشوع بين يديه، والتزموا بشريعته، وانقادوا لرسله.

وهكذا نجد أن القرآن يؤكد على عنصر العلم والمعرفة، كسبيلٍ من سبل الوصول إلى الالتزام العملي في خط الخشية لله، ليعرّفنا بأن العبادة مع المعرفة، تمثل القيمة الروحية الكبيرة عند الله، فلا ترقى إليه العبادة بدون المعرفة، حتى لو زادت درجة الكمّ في هذا الجانب، لأن الأساس هو الكيف والنوع، وهو ما يشكل عمق العبادة، بما تعيشه النفس من عمق الخوف من الله، والحب له.

{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} فلا يأمن العبد منه ولا يجد مهرباً من سطوته بفعل عزته التي لا تقهر، ولا ييأس من رحمته بفعل مغفرته التي يرجوها الخاطئون.