تفسير القرآن
فاطر / من الآية 39 إلى الآية 40

 من الآية 39 الى الآية 40

الآيتـان

{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً* قُلْ أَرأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً}       (39ـ40).

* * *

معاني المفردات

{خَلائِفَ}: جمع خليفة، والإنسان خليفة الله في الأرض، الذي يمارس دوره وفق ما أراده الله.

{أَرُونِي}: أخبروني.

* * *

هو الذي جعلكم خلائف في الأرض

{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ} فأراد لكم أن تمارسوا دور بناء الأرض في أمورها وقضاياها وعلاقاتها، انسجاماً مع الحق، كما أقامها في تكوينها الوجودي على أساس الحق، وتلك هي مسؤوليتكم التي تواجهونها ـ غداً ـ أمام الله، فإن الخلافة التي جعلها الله للإنسان ليست امتيازاً ذاتياً يزهو به ويطمئن إليه، بل هي مسؤوليةٌ رساليةٌ يتحرك من خلالها، ويستقيم على خطها، فمن آمن بالله وعمل صالحاً واتّبع رضوانه، فسيجد الخير الكبير في الدنيا والآخرة ثواباً على قيامه بالمسؤولية بأمانة، وسيحصل على محبة الله ورضاه.

{فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} بكل ما يفرض الكفر من نتائج سلبيةٍ في الدنيا والآخرة على جميع المستويات، {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً} وكيف لا يمقت الله عباده الذين خلقهم وأنعم عليهم ودعاهم إلى جنته ورضوانه، فتمردوا عليه، وأعلنوا الحرب على رسله، وجحدوا وأشركوا به، فأيّ نكرانٍ للجميل هو هذا النكران، وأيّ سقوط أعظم من هذا السقوط الإنساني في وحل الجريمة الروحية والمادية! {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً} لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم الذين أضلوهم بالكفر، وذلك هو الخسران المبين.

{قُلْ أَرَأيْتُمْ شُرَكَآءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} وتساءلتم عن سلامة القاعدة التي ترتكزون عليها في إيمانكم بهم وفي عبادتكم لهم؟ هل تملكون الحجة البالغة على ذلك كله، فإذا كنتم ترونهم آلهة من دون الله، فإن الآلهة تعني القوّة الخالقة التي تبدع الوجود للأشياء من العدم، {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرْضِ} هل تستطيعون أن تشيروا إلى جبلٍ أو سهل أو بحرٍ أو شجرٍ أو حيوانٍ أو إنسانٍ، لتقولوا إنهم هم الذين أبدعوه وأوجدوه، وهل تملكون قناعة ذلك، لو تحدثتم بمثله؟! {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ} إذا كنتم تتصورون أن السموات هي مركز الآلهة، وموقع الربوبية فيها، فكيف كانت هذه الشركة؟ وهل يملكون تلك القدرة الكبيرة، أو الارتفاع إلى ملكوت السموات ليمارسوا إدارة الحصة التي يملكونها؟ {أَمْ آتيناهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ}، والظاهر أن الخطاب هو لهؤلاء الكافرين الذين يدّعون الشركاء من دون الله، فهل أنزل الله عليهم كتاباً يحدّثهم فيه عن شركائه ليكون ذلك حجّةً لهم. ليس هناك شيءٌ من الحقيقة في كل هذا، {بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً} بما يخدع الناس به بعضهم بعضاً من دون أساس ظاهرٍ.