تفسير القرآن
يس / من الآية 45 إلى الآية 47

 من الآية 45 الى الآية 47
 

الآيــات

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (45ـ47).

* * *

من مظاهر تمرد الكافرين

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} من الأعمال السيّئة التي اكتسبتموها، والعقائد الكافرة أو المنحرفة التي اعتقدتموها من دون حجّةٍ ولا برهان، مما قد تتعرضون للعذاب من خلاله، لتتوبوا عما مضى، ولتؤكدوا العزم على التخلص منه في المستقبل، لتأخذوا الفكرة والعبرة من هذه الآيات التي توحي بعظمة الله وقدرته، لأن الله أراد للإنسان أن يجعل من عقله الأساس في سلامة مصيره واستقامته في موقفه، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} في ما يرحم به الله عباده الذين ينفتحون عليه بعد الغفلة، ويتوبون إليه بعد المعصية، ويرجعون إليه بعد الضلال، ولكنهم لا يستجيبون لهذا النداء الناصح، بل يستمرون في ضلالهم، فلا يخافون عذاباً ولا يرجون ثواباً.

{وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آياتِ رَبِّهِمْ} التي تفتح عقولهم وقلوبهم على معرفة الله وعبادته وتقواه {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} فلا يفكرون فيها، ولا يتعمّقون في دلالالتها، بل يواجهونها بطريقة اللاّمبالاة التي لا تحترم الفكر، ولا تهتم بالمصير.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} على الفقراء والمساكين ممّن يعانون الحرمان من العيش الكريم، فقد رزقكم الله هذا المال لتستمتعوا به في حاجاتكم الخاصة، ولتنفقوا منه على الناس الذين يحتاجون إليه، ممّن جعل الله رزقهم على أيديكم، في ما نظّم الله به الرزق لعباده، لأن المال لا يمثل امتيازاً إلهيّاً لمالكيه، بل يمثل المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم في طريقة الإنفاق، وفي حدوده، {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} لقد أراد المؤمنون أن يستثيروا في نفوس الكافرين روحية العطاء ومسؤوليته، من خلال الإيحاء الخفيّ بأن الرزق الذي بأيديهم من الله، فلا يخافون حاجةً عند إنفاقه، وعليهم أن يستشعروا الخوف من فقدانه عند التمرّد على نداء الله في ذلك، لأن الرب الذي أعطى، قادرٌ على أن يأخذ منهم ما أعطاه لهم، ولكن الكافرين كانوا يفكرون بغير هذه الطريقة فقالوا لهم: {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} فإذا كان الله موجوداً فعليه أن يطعم عباده الفقراء، كما أطعمنا، ولو شاء أن يطعمهم لأطعمهم، لأن إرادته لا تتخلف عن مراده، فلماذا يكلِّفنا أن نقوم بذلك ولماذا حرمهم؟ وهكذا فإنكم تتنكرون لعقيدتكم بالله، عندما تؤكدون وجوده وتطلبون منا الإنفاق على عباده {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِين} في النهج الذي تنتهجونه، وفي الخط الذي تسيرون عليه، وفي الكلمات التي تثيرونها.

ولكن هذا المنطق الكافر لا يرجع إلى أساس، فإنَّ تعلّق مشيئة الله وإرادته بالأشياء، قد تكون بشكلٍ مباشر في ما يريد له من الوجود الحتمي الذي تتعلق به إرادته التكوينية التي بها قوام الوجود، وقد تكون بتحريك إرادة عباده نحوها، في ما يريد توجيههم إليه، وتكليفهم به من جهة الأمر والنهي على خط الإرادة التشريعية التي لا تفرض حتمية الوجود ولكنها توجه الإرادة البشرية نحوه، في ما يبتليهم به، أو يختبر طاعتهم من خلاله.

وربما كان حديثهم عن هذا جارياً على سبيل السخرية والاستهزاء بالمنطق الإيمانيّ، والله العالم.