من الآية 66 الى الآية 76
الآيــات
{وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُواْ الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ* وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ* وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ* وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ* لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ* أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ* وَذَلَّلْنَاها لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ* وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ* وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ* لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ* فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} (66ـ76).
* * *
معاني المفردات
{لَطَمَسْنَا}: الطمس هو المحو، والمراد به هنا العمى أي لأعميناهم.
{فَاسْتَبَقُواْ}: من الاستباق أي بادروا وانطلقوا.
{نُنَكِّسْهُ}َ: نجعل أسفله أعلاه.
* * *
الله المتصرف بحياة البشر
{وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} حتى محونا كل آثار الإبصار فلم تعد ترى شيئاً، {فَاسْتَبَقُواْ الصِّرَطَ} وتحركوا نحوه في المدى الواضح منه الذي لا يضل فيه أحد، فلم يبصروه لفقدانهم القوّة البصريّة {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} وكيف يهتدون إلى ما لا يملكون السبيل إليه.
{وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ} فغيّرنا صورتهم إلى صورةٍ مشوّهةٍ أخرى فعذبناهم بذلك وهم قعود في مواقعهم، فتجمدوا فيها { فَمَا اسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ} أي لم يقدروا على ذهاب ولا مجيء. وهكذا يريد الله أن يؤكد في هاتين الآيتين قدرته ـ سبحانه ـ على أن يتصرف بهم، ويعذبهم بالطريقة التي لا يملكون معها أي اختيارٍ ولا يستطيعون ـ معها ـ الحصول على أيّ نوعٍ من حرية الحركة، وذلك على سبيل التهديد. {وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} فكلما طال عمره كلما نقصت قواه، وضعفت حيويّته فلا يزال ينقص حتى يتبدل حاله من القوّة إلى الضعف، {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} ليعرفوا ـ من موقع التفكير العقلي ـ أن الله قادر على أن يحوّل الإنسان من حالٍ إلى حالٍ، لأنه ـ هو وحده ـ الخالق الذي يملك كل وجود الإنسان بكل حالاته.
* * *
وما علمناه الشعر
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} ليكون شاعراً، كما يصفه بذلك المشركون الذين يثيرون الشكوك حول رسالته، ليتعامل الناس معه كما يتعاملون مع الشعراء في اعتبار الوحي الذي أرسله الله به كلاماً شعرياً بمستوى جديد يستحق أن يعجب الناس به من دون أن يروا فيه رمزاً مقدّساً للرسالة وللرحمة الإلهيّة، {وَمَا يَنبَغِي لَهُ} أن يكون في موقع الشعراء الذين لا يحملون أيّ معنى مقدّسٍ، مما يتنافى مع موقع الرسالة وقدسيتها، ونوعية دورها في حياة الناس، لأن الشاعر لا يفرض مفاهيمه عليهم لفقدانه الصفة التي تؤهله لذلك، بينما يملك الرسول دور المبلّغ عن الله الذي يفرض الالتزام بكل مضمون الرسالة باعتبار أنه يمثل إرادة الله؛ {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} من وحي الله لإنقاذ الإنسان من غفلته {وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} أنزله الله على الناس ليقرأوا آياته ويتدبروها ليهتدوا بها في أجواء الضياع والظلام.
{لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً} يعيش الحياة بمعناها الحيّ الذي يحمل الوعي واليقظة والعقل، {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} بما يقيم الله الحجة عليهم من خلال وحيه وقرآنه.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً} من الإبل والبقر والغنم ونحوها، {فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} حيث أراد الله لهم أن ينتفعوا بها، ويتعاملوا معها من موقع الملك والسيطرة {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} وأخضعناها وسخرناها، حتى أصبحت منقادةً لهم، {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} فينتفعون بلحمها، {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ} مما ينتفعونه به من شعرها ووبرها وجلودها وألبانها، {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} الله على هذه النعم الوافرة التي تستقيم بها حياتهم، ويوحّدونه، فلا يشركون به شيئاً؟
{وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} مما اتخذوه من المعبودات المزعومة كالأصنام والجن والشياطين وجبابرة البشر رجاء أن يحققوا لهم النصر والنجاح في مواجهة قضايا الحياة ومشاكلها الصعبة، من خلال اعتقادهم بأنّ هؤلاء يملكون تدبير العالم بما هو مفوّض إليهم من إدارة شؤون الحياة.
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} لأنهم لا يملكون أيّة قوةٍ ذاتيةٍ، {وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} أي أن المشركين جندٌ لهؤلاء الآلهة، تابعون لهم في ضلالهم ومصيرهم، محضرون معهم في يوم القيامة عندما يقفون غداً أمام الله ليلقوا جزاء أعمالهم في الإضلال والضلال.
{فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} حديث الشرك الذي يفيضون فيه، وأساليب الهزء والسخرية بالرسالة، فسيلاقون غداً الجزاء العادل عندنا على كل ما أسرّوه وأعلنوه، {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} من كل أقوالهم وأفعالهم، فتابع مسيرتك، واعمل بما أراده الله لك من أداء الرسالة، ولا تلتفت إلى ذلك كله.
تفسير القرآن