تفسير القرآن
الصافات / من الآية 50 إلى الآية 68

 من الآية 50 الى الآية 68

الآيــات

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءلُونَ* قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَئنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئنَّا لَمَدِينُونَ* قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ* قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ* وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ* أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ* إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ* أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ* إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ* إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لآكلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ* ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ* ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ} (50ـ68).

* * *

معاني المفردات

{قَرِينٌ}: صاحب.

{لَمَدِينُونَ}: محاسبون.

{سَوَاءِ الْجَحِيمِ}: وسطها.

{لَتُرْدِينِ}: تهلكني.

{نُّزُلاً}: ما يهيأ للنازل.

{الزَّقُّومِ}: شجرة تخرج في الجحيم.

{طَلْعُهَا}: حمل النخلة، سمي بذلك لطلوعه.

{رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ}: كناية عن قبح المنظر.

{لَشَوْباً}: خلط الشيء بغيره.

{حَمِيمٍ}: الحار.

* * *

حوار المؤمنين في الجنّة

تورد هذه الآيات الطريقة التي يتحدث بها أهل الجنة مع بعضهم البعض عن ذكرياتهم في الدنيا، ثم تنتهي بذكر حديثهم مع بعض الساكنين في النار.

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءلُونَ} في كلماتٍ لا تستهدف قضاء وقت الفراغ ليمتلىء بشيءٍ، أيّ شيءٍ، كما يفعل البعض عندما يشعرون بالملل والسأم، بل تستهدف التعبير عن حقيقة تتصل بالمضمون الإيماني الذي يواجه المضمون الكافر في الأجواء التي تزدحم بساحات الصراع، في ما ينتهي إليه أمر المؤمن في الجنة، وفي ما ينتهي إليه أمر الكافر في النار.

{قَالَ قائِلٌ مِّنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ} من أصحابي الذين كنت أعاشرهم، وكان ممن لا يؤمنون باليوم الآخر ولا يصدق بالحساب وبالجزاء، {يَقُولُ أَئنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِين* أئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أئِنَّا لَمَدِينُونَ} لقد كان يسخر من عقيدتي، ويستغرب أن أصدّق كيف يُبعث الميت الذي يتحول إلى تراب وعظام، ليعود حيّاً بعد ذلك، ثم يقف بعد ذلك في موقف الإدانة والحساب والجزاء، وكأنه يشكك في عقلي إذا كنت أعتقد ذلك.

{قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} أتعرفون من هو هذا الصاحب؟ إذا كنتم تريدون أن تتعرفوا عليه، فاطَّلعوا وانظروا إلى الجحيم، لتروا عاقبة هذا المعاند الساخر بالحساب والجزاء، {فَاطَّلَعَ فَرآهُ في سَوَاءِ الْجَحِيمِ} أي في وسطها وقلبها، {قَالَ} له مذكراً إياه بكلامه وكيف كان يحاول إضلاله وإبعاده عن خط الإيمان، {تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} وتلقيني في هاوية الهلاك، وتدفعني إلى التشكيك في عقيدتي أو في إنكارها، {وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبي} الذي أراد لي ـ برحمته ـ التماسك والثبات على إيماني، {لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ } الذين يُحضرهم الملائكة معك في وسط الجحيم.

وهنا يلتفت هذا المؤمن إلى إخوانه في الجنة، وهو يعيش السرور والاستبشار بالواقع الذي يتنعمون فيه ليؤكد خلودهم فيه بإرادة الله.

{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِين} أي لسنا بميتين، فلن نذوق الموت بعد الآن {إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولَى} التي لا نزال نذوق ذكرياتها عندما انتقلنا من الدنيا إلى الآخرة، {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} لأننا أخلصنا لله العبادة، وآمنَّا باليوم الآخر، وعشنا الاستعداد له، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} وأيّ فوز أعظم من الخلود في نعيم الجنة في رضوانٍ من الله ورحمته ولطفٍ كبير.

{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} لينالوا السعادة الكبرى في الجنة، فيذهب كل ما عانوه من بلاءٍ أو شقاء تكبدوه بسبب إيمانهم، ويضمحل كل ما لحق بهم من ألمٍ أو حزنٍ عانوه بسبب جهادهم، لأن الفرح الكبير هو في النهايات لا في البدايات، {أَذَلِكَ} المصير في نعيم الجنة {خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} وقد ذكر في تفسير الزقوم أنه اسم شجرةٍ صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة ذات لبنٍ إذا أصاب جسد إنسان تورّم، تكون في تهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء، وقد اشتق منها العرب قولهم: تزقّم الطعام إذا تناوله عن كرهٍ، {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ} ليختلفوا فيها. وقد ورد في مجمع البيان: «روي أن قريشاً لما سمعت هذه الآية {أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} قالت: ما نعرف هذه الشجرة. قال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر، التمر والزبد وفي رواية بلغة اليمن، فقال أبو جهل لجاريته: يا جارية زقمينا فأتته الجارية بتمر وزبد، فقال لأصحابه: تزقّموا بهذا الذي يخوفكم به محمد فيزعم أن النار تنبت الشجرة والنار تحرق الشجرة، فأنزل الله سبحانه {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِين}»[1].

{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} أي في قعرها، وإذا كان هناك غرابة في نبات الشجرة في النار وبقائها فيه، فإن حياة الإنسان فيها أعجب، ولكن قدرة الله التي تبدع العناصر الغريبة التي تؤلف بين الأشياء المختلفة لا يُعجزها شيء.

{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ} بما تحمله الذهنية الشعبية من صورة الشيطان القبيحة المنفّرة المخيفة، {فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} لأنهم يشعرون بالجوع الذي يدفعهم إلى الإقبال عليها بكل لهفةٍ وشوق، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} أي مزيجاً من الماء الحار الشديد الحرارة الذي يشربونه فيحرق أمعاءهم، فيختلط بالزقوم، فلا يسكت جوعهم ولا يروي عطشهم، {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ} فيستقرون في أعماقها في عذاب شديد مقيم.

ــــــــــــــــ

(1) مجمع البيان، ج:4، ص:696.