تفسير القرآن
الصافات / من الآية 75 إلى الآية 82

 من الآية 75 الى الآية 82
 

الآيــات

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ* وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرينَ* سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرينَ} (75ـ82).

* * *

معاني المفردات

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ}: أبقينا عليه ذكراً جميلاً.

* * *

سلامٌ على نوحٍ في العالمين

وهذا عبدٌ من عباد الله المخلصين، الذين أنجاهم الله سبحانه بفضله ومنّه وكرمه، من القوم الكافرين، فقد لبث في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً، ولم يستطع أن يصل إلى أيّة نتيجةٍ إيجابيّةٍ في ما يتصل بإيمانهم، وعاش في كربٍ شديدٍ من خلال ذلك، فهو لا يريد التراجع في رسالته ولا يريد قضاء عمره في فراغ فاشلٍ، وربّما كان يعيش في أجواء الاضطهاد النفسي والاجتماعي، وهكذا كان ككل عبد مخلصٍ لربه، يرفع الأمر إلى الله سبحانه، لأنه ـ وحده ـ الرب الرحيم الذي يستجيب لعباده.

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} فنحن نلبي هذا النداء الذي انطلق على شكل استغاثةٍ رساليةٍ في تقريرٍ حافلٍ بكل التجربة الطويلة التي استنفدت كل الأساليب، واستخدمت كل الوسائل في سبيل هداية الناس، فلم يستجب له أحد، {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} الذي كانوا يعانونه من كل الطغاة الذين فرضوا السيطرة الغاشمة على كل قوى الخير والحق والإيمان، وهكذا انتهت التجربة وبدأ العهد الجديد الذي كان في بدايته عقاباً لكل هؤلاء المتمردين الذين عاثوا في الأرض فساداً وسخروا من كل الرسل، وكان الطوفان، وغرق الجميع وبقي نوح، وبقيت ذريته من بعده...

{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِين} فهو الأب الثاني للبشرية من بعد آدم، {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرينَ} فقد خلد الله ذكره في رسالته، وفي صبره الطويل في خط التجربة الرسالية، لينتفع بها العاملون في سبيل الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، فلا يسقطون أمام التحديات، ولا يهربون من الضغوط الصعبة والمشاكل المعقدّة.

{سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِين} ويمثِّل هذا السلام التقدير الكبير لإخلاصه في الدعوة، ولجهاده في خط المواجهة، وتلك هي مسألة الذكر الحسن للماضين، فهي النافذة المفتوحة على حياتهم الخيّرة المجاهدة العاملة في سبيل الله، وليست امتيازاً ذاتياً خاضعاً للعوامل الشخصية الطارئة، ولذلك كان السلام الذي تركه الله له سلاماً شاملاً للعالمين، كدليل على شمول موقعه لدى أمم البشر كافة.

{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين} الذين أحسنوا القول والعمل، واستجابوا لله في كل تعاليمه، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِين} وتلك هي الصفة الكبيرة ذات القيمة الإلهية التي تمثل الإيمان العميق الممتد في كل حياة الإنسان، ليتحوّل إلى فكر ينفتح على الله، وحركة تنطلق من أجل عبادته {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرينَ} الذين كذبوا بالرسالة.