تفسير القرآن
الصافات / من الآية 114 إلى الآية 122

 من الآية 114 الى الآية 122
 

الآيــات

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ* وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبُونَ* وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِين* وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرينَ* سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين* إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} (114ـ122).

* * *

سلام على موسى وهارون

وهذه إشارة إلى قصة موسى وهارون في مواجهتهما التحدي الفرعوني، الهادفة للتحرر من سيطرة الاستكبار المتألّه الذي كان يضغط على حرية الناس ويستذلّهم ويستعبدهم ويستضعفهم ويذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ويمنعهم من التمتع بأبسط شروط الإنسانية في معناها الحيّ الذي ينفتح على حرية الإنسان، في قراره وحركة مصيره، وعلاقته بالناس والحياة من حوله، وكان النصر في النهاية لقوّة الرسالة الواعية الصابرة، حيث أُسدل الستار على مشهد غلبة المستضعفين الذين عاشوا إرادة الحرية في حركة الإيمان تخلصاً من عقدة الاستكبار الذاتي الذي يختزن العظمة المعقدة والمنتفخة بمشاعر القوّة الطاغية التي لا تحمل مضموناً فكرياً إنسانياً، ولا تتحرك في امتداد الرسالة، بل تحمل القهر والتعسف والإذلال للآخرين.

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُون} في ما أنعمنا به عليهما من القوّة المتمثلة بالرسالة المؤيّدة بالكرامة الإلهية في أجواء الإعجاز، ومن الأسباب الواقعية التي انتهت بالوصول إلى النتائج الكبيرة في السيطرة على ساحة الصراع، {وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} الذي كان يتمثل بالحالة النفسية الصعبة المرهقة تحت تأثير القهر الضاغط على إنسانيتهم وحريتهم، وهو ما عاشوه في واقع الاستضعاف المقهور أمام الاستكبار... وكانت لهم حريتهم التي ملكوا فيها حياتهم، وعادوا من خلالها إلى إنسانيتهم التي تملك أن تريد وأن لا تريد.

{وَنَصَرْنَاهُمْ} على فرعون وقومه {فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبُونَ} بما مكنهم الله من القوّة المعجزة التي استطاعوا ـ من خلالها ـ الخروج من مصر، بطريق البحر الذي انفلق عن اليابسة مما سهل مرورهم، ثم طغى البحر فأغرق فرعون وجنده فهلكوا جميعاً. {وَآتَيْناهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} الذي يظهر الأمور الخفية التي يحتاج الناس إلى معرفتها، ويفتح لهم آفاق المعرفة في قضايا العقيدة والحياة، {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} في ما رسم الله لهما من الخطط المتحركة في خط الاستقامة المؤدي إلى الحق الواضح في مفاهيم الحياة وقضايا المعرفة وحركة الشريعة، من دون أيّ خللٍ أو انحرافٍ، بل هو الطريق الذي يحدد النهاية من خلال البداية، ويرسم خط السير الواضح بينهما.

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرينَ} ذكراً خالداً نتيجة ما تحركا به من خط الدعوة إلى الله والمعاناة في سبيله؛ والعمل من أجل قضايا الرسالة الكبرى من أقرب طريق، ليبقى للبشرية منهما ما تنتفع به عندما تذكرهما بالتحية والاحترام.

{سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} في ما يعنيه السلام من المعنى المتصل بالشعور الإنساني في احترام دورهما الرسالي في حياة الناس، وفي تأكيد الروابط الروحية بين الملتزمين بخط الرسل، وبين الرسل الذين عاشوا مع التاريخ وأخلصوا للرسالات في تاريخهم الكبير الفاعل، {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ} على ما قاموا به من خطوات الإحسان، ليحصلوا على الجزاء الإلهي على أفعالهم الخيّرة في الدنيا والآخرة، {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} الذين يحملون الإيمان كعنوان لعبوديتهم لله ـ سبحانه ـ.