من الآية 180 الى الآية 187
الآيــات
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (180ـ182).
* * *
بين التسبيح والحمد
وتختم السورة الحديث بتنزيه الله عن كل ما يصفه به المشركون والجاحدون من صفاتٍ لا تليق به، ليردد المؤمنون كلمات التسبيح، حتى يتعمق المعنى التوحيديّ الخالص في عمق شخصيتهم الإيمانية.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} إنه التسبيح الذي يخاطب به كل مؤمن أخاه المؤمن، ليؤكد له عظمة الله التي لا ينتقص منها أحد، وليوحي إليه بصفة الربوبية التي ينتسب إليها، وليذكره بصفة كونه رب العزة، فهو الذي يملك العزة كلها، فلا عزة لغيره إلا منه، ولا عزيز أمامه لأنه المهيمن على الكون كله، ما يجعل الإنسان يستشعر القوّة المطلقة لله، من خلال ما توحي به العزة المطلقة التي لا يطالها شيء، ولا يقترب منها شيء، مهما كانت عظمته، ويرفض كل ما يصفونه من صفات لا تليق بجلاله، ولكنها تلتقي بحقارة الفكر الذي يتمرَّغون في وحوله، وبضيق الأفق الذي يختنقون فيه، وبالغشاوة التي تغشي قلوبهم وعقولهم، فيبتعدون بسببها عن وعي النور الذي يفيض في ذات الله.
{وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين} هؤلاء الذين حركوا حياتهم ليعيش الناس في سلامٍ مع أنفسهم، ومع ربّهم، ومع الحياة كلها، ومع بعضهم البعض، على هدي الله في خط شريعته، وفي ساحة رسالته، فتعبوا ليرتاح الآخرون، وجاعوا ليشبع الجياع، وحزنوا ليفرح الحُزانى، وجاهدوا في الله حقّ جهاده... هؤلاء الرسل الطيبون المجاهدون المخلصون من عباد الله المؤمنين، ينتظرهم السلام من الله في الدنيا، ليعيشوا في روحانيته، وفي الآخرة، ليتقلّبوا في نعيم رضوانه، {وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} فهو الذي تمثل صفاته الحمد كله، فلا حمد لأحدٍ إلا من خلال ما أعطى من حمد، فكل حمدٍ يرجع إليه، لأنه رب العالمين جميعاً، في كل ما لديهم من شؤون الحياة في ما ربّاهم به، وربّاهم عليه.
تفسير القرآن