سورة ص الآيات 45-48
الآيــات
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيدِي وَالأبصَارِ إِنَّآ أَخْلَصْناَهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ* وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَار* وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الأخْيَارِ} (45ـ48).
* * *
معاني المفردات
{الأَيْدي}: القوة.
{بِخَالِصَةٍ}: صفة خالصة من كل شائبة.
{الْمُصْطَفَيْنَ}: المختارين.
* * *
الأنبياء المصطفون الأخيار عند الله
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} في ما تذكره من تاريخ الأنبياء الذين سبقوك، وحملوا الرسالة قبلك، وتحمّلوا من المعاناة في سبيلها الكثير من الجهد والألم والأذى، {أُوْلِى الأيدي وَالأَبْصَارِ} في ما توحي به كلمة الأيدي من الكناية عن القوّة في سبيل العمل الصالح الذي يتحملون مسؤولية الدعوة إليه، وتحويله إلى واقعٍ حيٍّ في حياة الناس على جميع المستويات، وفي ما توحي به كلمة الأبصار من الكناية عن وضوح الرؤية للأشياء في وعيهم المنفتح على الله والحياة، ما يجعل حركتهم حركةً منطلقةً من سعة الأفق، وعمق المعرفة، وصفاء الروح.
وقد نستوحي من ذلك كيف يجب للقياديين على جميع المستويات، لا سيّما الذين يتحركون في الموقع القيادي للدعوة في سبيل الله، أن يكونوا من أولي القوة الذين يملكون الموقف القويّ الذي يستطيع أن يثبت في مواقع الاهتزاز والتحدي، كما يملكون القوّة التي تمكنهم من التحرك بصلابةٍ في تثبيت الخطة وتوجيهها في الخطوط المستقيمة، كما يجب أن يكونوا من أولي النظرة الثاقبة العميقة التي تنفذ إلى عمق الأشياء لتكتشف حقائقها بصفاءٍ ووضوح، لأن ذلك هو الذي يمكنهم من القيام بدورهم الرسالي القيادي بكفاءةٍ وقوّة.
{إِنَّآ أَخْلَصْناَهُمْ بِخَالِصَةٍ} فهؤلاء يتمتعون بالصفات الروحية الصافية الخالصة التي لا يخالطها شيء من الزيف والريب والالتواء، {ذِكْرَى الدَّارِ} وهي الدار الآخرة المستغرقون في ذكراها والمتحسبون للموقف الحاسم فيها أمام الله عندما يقف الناس للحساب بين يديه، لتوحي لهم هذه الذكرى بالاستقامة على خط التوحيد بكل مفاهيمه العقيدية والتشريعية التي جعلها الله أساساً للقرب إليه والحصول على رضوانه، باعتبارها الأساس الذي يتمثل فيه معنى إخلاص العبودية في حركة الإنسان، للربوبية المهيمنة الرحيمة المطلقة.
{وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} لأنهم أسلموا كل حياتهم لله، وأخلصوا له، فكانوا محلاً للاصطفاء، ولأنهم عاشوا للخير كله في حياة الناس المستضعفين ليهدوهم إلى مواقعه، وليحركوا خطواتهم في طريقه، والتزموه منهج حياة، وخط فكر وحركة موقف، فكانوا الأخيار بنفوسهم وقلوبهم ودعوتهم وحركتهم في الحياة.
{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ} وقد جاء في بعض أحاديث أئمة أهل البيت(ع)، أن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى(ع)، فقد مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فلم تتخذه أمته ربّاً، كما ورد فيها أن ذا الكفل من المرسلين، وكان بعد سليمان بن داود، وكان يقضي بين الناس، كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلا لله عز وجل، {وَكُلٌّ مِّنَ الأَخْيَارِ} الذين آمنوا بالخير فكراً، وحركوه دعوةً، ومارسوه عملاً وحركةً في سبيل الله.
تفسير القرآن