تفسير القرآن
الزخرف / من الآية 9 إلى الآية 14

 من الآية 9 الى الآية 14

الآيــات

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ* وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الّذي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} (9ـ14).

* * *

معاني المفردات

{مَهْداً}: فراشاً.

{بِقَدَرٍ}: بمقدار.

{فَأَنشَرْنَا}: فأحيينا.

{الأَزْوَاجَ}: الأصناف.

{لِتَسْتَوُواْ}: لتستقروا.

{سَخَّرَ}: ذلل.

{مُقْرِنِينَ}: مطيقين.

{لَمُنقَلِبُونَ}: راجعون.

* * *

الله الخالق للسماوات والأرض

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرضَ} عندما تفاجئهم بالسؤال الذي يخاطب وجدانهم الفطري، هل يمكن أن يؤمنوا بأن هذه الآلهة التي يدعون خلقت السماوات والأرض؟ يجيبون أنهم لا يؤمنون بذلك، بل كل ما هناك أنهم يرون لهذه الآلهة دوراً معيناً في عمق ما يتمثل في داخلها من سر.

{لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} الذي يملك العزّة المطلقة من خلال قوّته المطلقة، كما يملك بعلمه الإحاطة بكل مفردات الكون المتمثل بالسموات والأرض في دقائقه وأسراره.

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً} تستقرون فيها وترتاحون، تماماً كما يرتاح الإنسان في المهد. أو تمهيداً يمثل الإعداد التكويني للاستقرار.

{وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} وطرقاً تسلكونها إلى مقاصدكم، فلم يغلقها عنكم في سهولها وجبالها، بل فتح لكم فيها المنافذ التي تؤدي بكم إلى الوصول إلى مواقع الحياة فيها، {لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى معرفة عظمة الله ونعمته ورحمته من خلال ذلك.

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ ماءً بِقَدَرٍ} محدودٍ متوازن بحسب ما يحتاجه الناس والحيوانات والنّبات وغير ذلك من الماء، في ما تختزنه الأرض، أو يجري عليها، أو يتجمع في سطحها، تبعاً للنظام الكونيّ المبني على الحكمة في ذلك.

{فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً} أي أحييناها فاهتزت بالخضرة التي تجسد حركة النموّ والحياة. {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} من الأجداث لتواجهوا الحياة المتجدّدة في الدار الآخرة، فإن الحياة هي الحياة، في الإنسان والنبات على حدٍّ سواء، والقدرة هي القدرة عند الله، فإذا رأيتم الميّت من الأرض يحيى عندما ينزل عليه الماء بقدرة الله، ففكِّروا أنَّ الإنسان يحيى بعد الموت بقدرته ـ سبحانه ـ فكيف تنكرون المعاد بعد ذلك.

{وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} من الموجودات الحيّة والنامية والجامدة، في ما يمثله قانون الزوجية من شمولٍ للوجود كله، أو في ما يتمثل فيه من تنوّع لا يجعل الحياة شكلاً واحداً ليحصل من ذلك التجدد والاستمرار للحياة.

{وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ وَالاَْنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} فيسهل لكم التواصل بين مناطق البر والبحر ويخفف عنكم عناء السير في المسافات الشاسعة، والطرق الوعرة التي تثقل الجسد وتنهكه.

{لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} كما يفعل المؤمن الذي يرى الله في كل شيءٍ، ويتطلع إليه في مواقع النعمة ليعرف فضله عليه، كما يتطلع إليه في مواقع العظمة، ليعرف مدى قدرته، ليبقى وعيه للحياة، منفتحاً على الله في عملية تجدّدٍ متحرّكٍ، في ما يراه أو يسمعه أو ينتفع به من مفردات النعم المتوافرة في الأرض، وليعبّر عن إحساسه بنعمة الله وعظمته، ليكون التعبير مظهراً من مظاهر تأكيد الانسجام بين الإيمان والكلمة، في روحيّةٍ تعزّز صلة الإنسان الروحية بالله وتقوّي إيمانه.

* * *

تسبيح الله على نعمه

{وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} في تسبيحٍ يعبّر عن الإحساس بالعظمة والنعمة، ليعطي للممارسة الحياتية معنًى روحياً بالإِضافة إلى ما تمثله من معنى مادّي. { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} لأننا لا نملك أية طاقةٍ ذاتية تتيح لنا تنظيم حياتنا وتسهيلها بالوسائل الحيّة أو الجامدة التي تتوقف عليها حركة الحياة، والله ـ وحده ـ هو الذي يعطي الطاقة للإنسان في كل وجوده وفي كل مفردات حياته.

{وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} فمنه البداية، وإليه الانتهاء، حيث نقف بين يديه لنواجه الحساب كله على أعمالنا كلها، وعلى حياتنا كلها، فليس عندنا شيءٌ إلاَّ منه، وذلك هو خط التربية الإسلامية الذي يريد أن يربط الإنسان بالله، فيتحسس في أعماقه علاقته به، بالمستوى الذي يشعر فيه بأن كل شيءٍ منه، فلا حقيقة إلا وجوده، ولا قدرة لأحد إلا من خلال قدرته، ما يفرض على كل إنسانٍ أن يذكر ذلك في وعيه وعلى لسانه.