تفسير القرآن
الزخرف / من الآية 40 إلى الآية 45

 من الآية 40 الى الآية 45

الآيــات

{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ* فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ* أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ* فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ* وَاسْألْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}         (40ـ45).

* * *

الله منتقم من الكافرين

{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} الذين أغلقوا آذانهم عن سماع كلمة الحق، فلا يريدون أن يسمعوا الوحي الذي يبلغه الأنبياء لهم، أو يحمله الدعاة إليهم {أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} الذين أغلقوا أعينهم القلبية عن رؤية الخط المستقيم الذي تريد أن تهديهم إليه، وتدلهم على مواقع الخير الذي يبني لهم حاضرهم ومستقبلهم ليركّزه على أساسٍ متين {وَمَن كَانَ في ضَلالٍ مُّبِين} من هؤلاء الذين ضاعت عقولهم أمام الإغراءات والتهاويل التي يحشدها الشياطين في مشاعرهم وغرائزهم، وتاهوا فكرياً وروحياً وعملياً، وضلّوا ضلالاً بعيداً..

ولعل مشكلة هؤلاء، أن الاهتداء يحتاج إلى إرادة منفتحة على آفاق المعرفة.. بحيث يكون الإنسان باحثاً عن الحقيقة بجهده الذاتي في ما يتحرك به عقله، وتلتقي معه روحه، بينما يفقد هؤلاء إرادة الهدى، ويعيشون في الاتجاه المضاد لذلك، ويعطّلون كل الأدوات والوسائل التي تصل بهم إلى مواقع الهدى.

{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} ونتوفينك {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} بعد ذلك، في ما كفروا وساروا في طريق الضلال من دون حجّةٍ، {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} قبل أن نتوفّاك {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} فلن يعجزنا أمرهم على أيّ حال، فسيأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون.

{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} ولا تتراجع عنه أمام هذا الجحود الذي يقابلونك به، أو هذه اللاّمبالاة التي يواجهونك بها، فإن ذلك لا يُسقط روح الرسالة، ولا يهزم مواقعها ولا يُضعف من قدرتها، ما دمت تملك وضوح الرؤية للطريق الذي تسير عليه، وللهدف الذي تريد أن تقودهم إليه {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يؤدّي بك وبالناس من حولك إلى الله في خط رضوانه الذي يصل بهم إلى مواقع جنته.

* * *

وإنه لذكرٌ لك ولقومك

{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} بما يشتمل عليه من أفكار تفتح العقل والقلب والروح على ذكر الله، الذي يتحوّل إلى عنصر إيجابيّ فعّال في إغناء شخصيتك الرسالية التي يزيدها ذكر الله قوّةً وحركيّةً في اتجاه الدعوة والعمل في سبيله، وفي إغناء شخصية قومك في التزامهم بالخط المستقيم الذي يقودهم إلى الخير، ويركّز أقدامهم على قاعدة الحق.

وقد ذكر بعضهم أن المراد بالذكر الشرف الذي يذكر به النبي وقومه من بين الأمم، وهو غير واضح، لأن القرآن ليس امتيازاً اجتماعياً لقوم النبي يحصلون عليه، بل هي مسؤوليةٌ فكريةٌ وعمليةٌ في خط الاستقامة على طريق الله، فهو لا يمثل حالةً شخصيةً أو قومية، بل حالةً رساليةً، كما يوحي به قوله تعالى بعد ذلك: {وَسَوْفَ تُسْألُونَ} عن كل ما فيه من تكاليف وتعاليم ترتبط بالمسؤولية التي يتحملها الناس أمام الله في أوامره ونواهيه، ومفاهيم الحياة المنطلقة من حقائق القرآن. {وَاسْألْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} الذين يذكرهم قومك ويعترفون بنبوتهم، فقد جاءوا بالتوحيد على أساس أنه الدعوة التي توحّد الحياة أمام الله، وتابع رسالتهم في الكتب المنزلة عليهم {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} ليشاركوا الله في عبادة الناس لهم، من موقع الألوهية المستقلة، أو من موقع الوساطة بين الله وبين الناس..

والمراد بالسؤال، الإِيحاء بأن التوحيد هو الحقيقة التي تحرك بها كل تاريخ الرسالات، والتزم بها كل الأنبياء، مما لا مجال ـ معه ـ لأيّ شك أو شبهة.