تفسير القرآن
المائدة / من الآية 70 إلى الآية 71

 من الآية 70 الى الآية 71

الآيــتان

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرائيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ * وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}(70ـ71).

* * *

معاني المفردات

{لاَ تَهْوَى}: الهوى: هو لطف محل الشيء من النفس مع الميل إليه بما لا ينبغي، فلذلك غلب على الهوى صفة الذم، والفرق بين الهوى والشهوة أنَّ الشهوة تتعلَّق بالمدركات، فيشتهي الإنسان الطعام ولا يهوى الطعام.

{وَحَسِبُواْ}: الحسبان: هو قوّة أحد النقيضين في النفس على الآخر، وأصله الحساب، فالنقيض القوي يحتسب به دون الآخر أي هو ما يحتسب ولا يطرح.

{فِتْنَةٌ}: الفتنة ـ ههنا ـ: العقوبة وأصله الاختبار، ومنه افتتن فلان بفلانة إذا هواها، لأنَّه ظهر ما يطوي من خبره بها.

* * *

نقض بني إسرائيل ميثاقهم مع الله

لقد تكرر في القرآن الحديث عن الميثاق الَّذي أخذه الله على بني إسرائيل في الالتزام بحدود الإيمان وخطوطه، بالسير على خط الرسل بما يوحيه الله إليهم من آيات وأحكام ليبيِّنوها للنَّاس وليعملوا بها، {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} ولكنهم نقضوا ذلك الميثاق، فكذبوا بعض الرسل، وقتلوا بعضاً آخر، ولم يكن ذلك ناشئاً من عدم قناعة، أو من قناعة مضادة بضلال هؤلاء الرسل، بل كان ناشئاً من عدم موافقتهم لهوى أنفسهم، فليست القضيّة قضيّة رفض للفكر، بل قضيّة هوى النفس الأمّارة بالسوء، {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} ولقد كان هؤلاء يظنون أن الميثاق لا يُمثِّل موقفاً خاضعاً للاختبار من خلال الفتنة الّتي يختبر بها الله عباده، {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ} فأغلقوا أبصارهم عن رؤية الحقّ وأصمّوا أسماعهم عن سماع آياتهم، وجاءتهم الفتنة فسقطوا في الامتحان، وحاولوا الرجوع إلى الله من جديد، والعودة إلى الالتزام بالميثاق، {ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} لأنَّ الله يريد أن يفسح لعباده المجال للتراجع عن الخطأ، والعودة إلى الصواب، ولكنَّهم عادوا إلى ما كانوا عليه، {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ} ولم تكن القضيّة تُمثِّل حالة شموليّة، بل كانت تُمثِّل ظاهرة في كثير منهم، {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} مهما كانت ألاعيبهم وأضاليلهم وحركاتهم الّتي يختبئون وراءها، فإنَّ الله بصير بما يعمله العباد في كل حدوده وشرائعه.

وهذا هو الدرس الَّذي يجب أن يحفظه كل مؤمنٍ، بأنَّ قضيّة الإيمان لا بُدَّ من أن تخضع للامتحان، وفي كل المواقف الصغيرة والكبيرة، فلا يُمكن للإنسان أن يواجه ذلك بذهنيّة الأعمى والأصمّ، بل بروحيّة الإنسان المفتوح العين والقلب والأذن، الَّذي يرصد كل شيء مما حوله، لأنَّ الله بصيرٌ بكل شيء في كل مجالات العمل.